كثيراً ما يحصل في المجالس نوعٌ من الغيبة، أو النميمة، أو الخلط في الحديث، أو الكلام الذي لا فائدة فيه دون قصد من الجالس، فيحتاج إلى ما يمحو به الذنوب التي قد يكتسبها من ذلك المجلس، فيُسَّن له عند القيام من المجلس أن يذكر الله -تعالى-، ويدعو بدعاء كفّارة المجلس الذي ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ قال: (من جلس في مجلسٍ فكثُرَ فيه لَغطُه فقال قبل أن يقومَ من مجلسِه ذلك سبحانك اللهمَّ وبحمدك أشهدُ أن لا إله إلا أنت أستغفرُك وأتوبُ إليك إلا غُفِرَ له ما كان في مجلسِه ذلك)،
والخوض في الكلام في المجالس ثمّ ذِكر الدعاء لا يغفر للمُتكلِّم كلّ ما كان في مجلسه؛ لأنّ بعض الذنوب، كالغيبة، والنميمة، وقول السوء، لا يكفي لها مُجرَّد النطق بهذا الذِّكر، بل يجب الاستسماح من أصحابها،
حُكم الدعاء بكفّارة المجلس وفضله
يُعَدّ ترديد دعاء كفّارة المجلس أمراً مندوباً؛ لمُواظبة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على التلفُّظ به بعد كلّ مجلس كان يقوم منه، فلم يكن يتركه إلّا لعُذر، وقد جاء في رواية أنّه كان يذكره ثلاث مرّات، إضافة إلى أنّ السَّلَف كانوا يُواظبون عليه أيضاً،
فضل ذِكر الله في المجالس
شرع الإسلام الاجتماع في المجالس ولم يُحرّمه، إلّا أنّه شرع ما يُنظّمها، ويُخلّصها من مساوئ الأخلاق؛ ولذلك رغَّب في مجالس ذِكر الله -تعالى- وتلاوة القرآن، وجعلها خير المجالس، وقد بيّن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فضل هذه المجالس، والذي يتمثّل بأنّ أصحابها يُذكَرون في الملأ الأعلى؛ بدليل قوله: (إنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً، فُضُلًا يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فيه ذِكْرٌ قَعَدُوا معهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بأَجْنِحَتِهِمْ، حتَّى يَمْلَؤُوا ما بيْنَهُمْ وبيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا)، حتى قوله في ما يرويه عن ربّه -جلّ وعلا-: (فيقول: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، فيقولون: رب فيهم فلان، عبد خطّاء، إنما مرّ فجلس معهم، فيقول: وله غفرت؛ هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)،
للمزيد من التفاصيل عن فضل ذكر الله -تعالى- الاطّلاع على مقالة: ((أحاديث عن فضل ذكر الله)).
آداب المجلس
هناك العديد من الآداب الخاصّة بالمجالس، والتي ينبغي للمسلم أن يتحلّى بها، ومنها ما يأتي:
- اختيار الجليس الصالح؛ وذلك لقوله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ).
[13] - اختيار المجالس التي يُذكَر فيها الله -تعالى-؛ لقوله -تعالى-: (وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا)،
[14] ، ولقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ).[15] - تجنُّب مجالس الغفلة؛ لقوله -تعالى-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ).
[16] - إلقاء السلام على مَن في المجلس، عند الدخول، والخروج.
- حفظ الجوارح عمّا لا يحلّ في المجالس، مثل: النظر، أو الاستماع إلى ما لا يحلّ، أو الغيبة، والنميمة، والاستهزاء بالآخرين.
- اختيار المجالس الواسعة، والجلوس حيث ينتهي به المجلس.
- توقير الكبار في السنّ، والعلماء في المجالس؛ فيُوسع لهم، ويجلسهم.
- للمزيد من التفاصيل عن احترام الكبار في السن الاطّلاع على مقالة: ((احترام الكبير خلق إسلامي)).
- قضاء الوقت في المجالس بالأمور النافعة، وعدم تضييعه.
- احترام مكان الجلوس فلا يطلب من أحد أن ينهض من مكانه ليجلس هو فيه، وإذا نهض أحد من مكانه ثمّ رجع إليه، فهو أولى بالرجوع إليه؛ لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قامَ مِن مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ، فَهو أحَقُّ بهِ).
[17] - الاستئذان عند الجلوس في مكانٍ بين اثنين، وإذا طُلِب منه أن يُوسّع، ويُفسِح للآخرين، فعليه أن يفعل ذلك.
- الالتزام بعدم التحدُّث بالسرّ بين اثنَين؛ لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً، فلا يَتَناجَى رَجُلانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى تَخْتَلِطُوا بالنَّاسِ، أجْلَ أنْ يُحْزِنَهُ).
[18] - عدم التجسُّس على الآخرين في المجالس، وعدم إيذاء أهل هذا المجلس.
- اختيار المكان المناسب للجلوس؛ فلا يجلس في الطريق، أو في أماكن الراحة، أو أماكن العبادة، وإذا جلس في الطريق فإنّ عليه أن يُعطيَ الطريقَ حقّه؛ من رَدِّ السلام، وغَضّ البصر، وما إلى ذلك.
- الجلوس جلسة صحيحة مناسبة ليس فيها محظور شرعيّ، أو كشف للعورة، ومن الجلسات المَنهيّ عنها كراهةً: الاتِّكاء على إِلية اليد اليُسرى خلف الظهر، والاستلقاء على الأرض ووضع إحدى الرجلَين على الأخرى؛ لأنّ ذلك مَظنّة كشف العورة، إضافة إلى الجلوس بين الظلّ والشمس.
- اختيار الكلمات المناسبة، والألفاظ الحسنة للتحدُّث بها في المجالس.
- الاستماع بإنصات، واهتمام للمُتحدِّث، والنظر إليه، وإحسان الردّ عليه؛ لأنّ هذا مَنهج سيّدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم-.
- التحلّي بمكارم الأخلاق التي تخصّ المجالس، ومنها: الابتسامة، ولين الكلام، وحُسن الحوار، واحترام الآخرين، وتَرك كثرة الضحك، وخَفض الصوت وعدم رفعه؛ لقوله -تعالى-: (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).
[19] - عدم النوم في مجلسٍ الناس فيه غير نِيام؛ لما في ذلك من احتمالٍ لكَشف عورته، أو صدور أمر منه يكره حصوله أمام الناس؛ لأنّه يكون قد فقد السيطرة على نفسه حال النوم.
- تجنُّب المزاح مع الناس باليد، والتخفيف من المزاح بالقول أيضاً.
- الحرص على عدم إيذاء الناس في المجالس، وخاصّةً إذا مرّ ومعه أدوات يُشكّل حَملها خطورة.
- اختتام المجلس بذِكر دعاء كفّارة المجلس؛ لما له من فضائل.
- الاستئذان عند الانصراف، وخاصّة من المجالس الجامعة.
أنواع الجلساء
قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ، والْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ، ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)،
المراجع
- 1 - رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 3433، صحيح. .
- 2 - محيي الدين النووي (1994)، <i> " الأذكار " , ، بيروت-لبنان: دار الفكر، صفحة 298 , محيي الدين النووي (1994)، .
- 3 - سعيد بن مسفر، " دروس للشيخ سعيد بن مسفر " , www.al-maktaba.org , سعيد بن مسفر، .
- 4 - يستحب إذا جلس المسلم مجلسا - أي مجلس كان - أن يختمه قبل أن يقوم بكفارة المجلس , www.islamqa.info , 6-12-2014، 20-1-2020. بتصرّف. .
- 5 - رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1619، صحيح. .
- 9 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2689، صحيح. .
- 10 - الهدي النبوي في المجالس , www.islamweb.net , 10-1-2008، 20-1-2020. بتصرّف. .
- 12 - ظافر آل جبعان، " تذكير الجَالِس والـمُجَالس بآداب المَجْلِسِ والـمُجَالِس " , www.saaid.net , ظافر آل جبعان، .
- 13 - سورة التوبة، آية: 119. .
- 14 - سورة الكهف، آية: 28. .
- 15 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو سعيد الخدري وأبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2700، صحيح. .
- 16 - سورة النساء، آية: 140. .
- 17 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2179، صحيح. .
- 18 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 6290، صحيح. .
- 19 - سورة لقمان، آية: 19. .
- 20 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 2628، صحيح. .
- 21 - مصطفى العدوي، <i> " الجليس الصالح والجليس السوء " , ، القاهرة: دار الصحيفة، صفحة 9-10 , مصطفى العدوي، .
- 22 - سورة المائدة، آية: 24-25. .
- 23 - مصطفى العدوي، <i> " الجليس الصالح والجليس السوء " , ، القاهرة: دار الصحيفة، صفحة 18 , مصطفى العدوي، .
- 24 - مصطفى العدوي، <i> " الجليس الصالح والجليس السوء " , ، القاهرة: دار الصحيفة، صفحة 41 , مصطفى العدوي، .