مفهوم العدل
هُناكَ أُسُسٌ وَضَعَها الإِسلامُ لإحكامِ التَّعامُل بَين النّاس وضَبطِه وضَمانِ حُصولِ كلِّ فردٍ أو فِئةٍ على حقّهم كاملًا دون انتقاصٍ مِن أحد الأطرافِ، سواءً في مَجالاتِ التجارة أوالمُعاملاتِ والعَمل، ووَضَع الإسلامُ كَمصدرٍ تشريعيٍّ مجموعةً من القِيَم والمَبادئ الرَّفيعة والقويمة لِتُساعِدَ النَّاسَ على إتمامِ التَّعامُل فيما بَينهم، مع الحرصِ على الإبقاء على المَودّة والرَّحمة والمحبّة فيما بَينهم، ومِن هذا المَنظور انطلقَ مَفهوم العَدالةَ في الإِسلام، فالعَدالةُ لَيست مَحصورةً في مَوضوعٍ مُعيّن، وإنّما تَتطرّق إلى أبوابٍ عديدة وكثيرة، ولكنَّ أَساس كُلِّ العَدالات هو العَدلُ الرَبَّاني، فمِن غَير العَدل لا تَقومُ الحَضارةُ ولا تَسودُ.
العَدلُ لُغةً
هو التَّوسُّطُ بَين الِإفراطِ والتَّفريط والاعتدالِ في الأمور، ويُقابِلها الظُّلم والجور، ونَقيضُهُ الظُّلم، جاءَ في مَعجَم المَعاني: عدَلَ/عدَلَ إلى يَعدِل، عَدْلاً وَعُدُولاً وعَدَالَة، ومَعْدِلَة، فهو عادِل. عدَل بَين المُتخاصِمين: أَنْصَفَ بَينهُما وتجنَّبَ الظُّلْمَ والجَوْرَ، أَعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه.
العدلُ اصطلاحاً
العَدلُ صِفةٌ راسِخةٌ اتَّصفَ الله سبحانهُ وتَعالى بها وسمَّاها لِنَفسِه، وهو في الأَصلِ مَصدَرٌ سُمّي به فَوُضِع موضِعَ -اسم الفاعل- العادِل، والمَصدَر أبلغُ مِنه لأنَّه جَعَل المُسمّى نفسَه عَدلاً.
العدل في الإسلام
من كَرَمِ الله عزَّ وجَلَّ أنْ نَظَّم للنّاسِ تعَامُلاتِهمْ وعَلاقَاتِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمُ، وتمَمَّ لهُم الفضائِلَ والأَخلاق والأحكَامَ النّاظِمَة لكلِّ شؤُونِ حياتِهِمْ، والضّامِنةِ لتَساوِي حُقوقهم وتَمامِ واجِباتهِم ومُستحقَّاتهم، فَجَعلَ العَدلَ ميزاناً يُلزِمُ الجميعَ بقضاءِ ما عليهِم واستحقاقِ ما لهم دونَ تَعدٍّ ولا إفراطٍ أو تفريط، وقَد رَفَع الله شأنَ العدلِ وسمَّاه في أسمائِه وميَّزهُ في صِفاته، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
سِماتُ العدلِ في الإسلام
مِن سِمات العَدل في الإسلام أنّهُ لا عاطفةٌ فيه؛ فلا يتأثَّر بمالٍ أو عرقٍ أو نَسَب، وفي التَّاريخِ الإسلاميِّ أمثلةٌ تُبرهِنُ صِدقَ الصِّفةِ وشُمولِها؛ ومِن ذلكَ حادِثةُ المرأةِ المخزوميَّةِ التي سَرقَت في عَهدِ رَسولِ اللهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، ففي صحيحِ البُخاري: (أنَّ امرأةً سَرَقَت في عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في غَزوةِ الفتحِ، فَفَزِع قومُها إلى أسامَةَ بن زيدٍ يَستشفِعونَه، قال عُروةُ: فلمَّا كَلَّمَهُ أسامةُ فيها تَلوَّن وَجهُ رسولِ اللهِ صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: (أتكلِّمُني في حدٍّ من حدودِ اللهِ؟). قال أسامة: استغفِرْ لي يا رسولَ اللهِ، فلمَّا كان العَشيُّ قامَ رسولُ اللهِ خطيباً، فأَثنى على اللهِ بِما هو أهله، ثم قال: (أمَّا بَعدُ، فإنَّما أهلَكَ النَّاس قبلَكم أنَّهم كانوا إذا سَرَقَ فيهِم الشَّريفُ تركوهُ، وإذا سَرَق فيهم الضَّعيفُ أقاموا عليهِ الحدَّ، والذي نفسُ محمدٍ بيده، لو أنَّ فاطِمةَُ بنت محمد سرقتْ لقطعتُ يدَها). ثم أمَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بتلك المرأةِ فقُطعت يدُها، فَحَسُنت توبتُها بعد ذلك وتزوّجَت. قالت عائشةُ: فكانت تأتي بعد ذلكَ، فأرفَع حاجَتها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ).
ومِن سِماتِ العَدلِ أنَّهُ يَرفعُ صاحِبَهُ عندَ الله ويَمنَحهُ منزلةً عظيمةً وشرفاً ربَّانياً قَرَنَهُ الله بذاتِهِ، وفي الحديثِ الشَّريف: (إنَّ المُقسِطينَ عند اللِه على منابرَ من نورٍ عن يمينِ الرَّحمنِ عَزَّ وجَلَّ، وكِلتَا يديهِ يمينٌ، الذين يَعدِلونَ في حُكمهِم وأهليهِم وما وُلّوا)
المراجع
- 1 - القيم الإسلامية - العدل , الإسلام اليوم , 25-9-2016. .
- 2 - معنى عدل , معجم المعاني , 26-9-2016. .
- 3 - تفسير كلمة عدل , لسان العرب , 1-10-2016. .
- 4 - العدل والمساواة , منارة الإسلام , 2-10-2016. .
- 5 - تهذيب الأخلاق , ، صفحة 28 , الجاحظ، .
- 6 - علي الجرجاني، <i> " التعريفات " , ، صفحة 147 , علي الجرجاني، .
- 7 - علي ابن حزم، <i> " الأخلاق والسير " , ، صفحة 81 , علي ابن حزم، .
- 8 - الأخلاق الاسلامية: العدل , موقع الدكتور أحمد كلحي: موسوعة الأخلاق الإسلامية , 18-11-2012، 3-10-2016. .
- 9 - سورة النحل، آية: 90. .
- 10 - ابن كثير، <i> " تفسير ابن كثير " , ، صفحة 277 , ابن كثير، .
- 11 - محمد الخضر حسين، " القضاء العادل في الاسلام " , الدرر السنية , محمد الخضر حسين، .
- 12 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عروة بن الزبير، الصفحة أو الرقم: 4303. .
- 13 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1827، | خلاصة حكم المحدث : صحيح . .