حرية التعبير في العالم الرقمي: هل أصبح كيلُ الشركات التقنية الكبرى بمكيالين فاضحًا بإسكاتها ترامب؟

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  04/02/2021
حرية التعبير في العالم الرقمي: هل أصبح كيلُ الشركات التقنية الكبرى بمكيالين فاضحًا بإسكاتها ترامب؟

يمكنك اليوم إن كنت في أيّ بلد في العالم استخدام الإنترنت لتعرض وتشارك ما يدور في ذهنك، يمكنك التعبير عن رأيك، عن إعجابك أو امتعاضك بخصوص أيٍ من الأحداث التي تجري على هذه الأرض. يمكنك أن تعبر عن كراهية المجتمعات البشرية المختلفة عنك، دينيًا أو عرقيًا أو سياسيًا، أو حتى أصحاب الميول الجنسية التي لا تحبّذ فكرة وجودها.

بل يمكنك حتى أن تثور على الأنظمة، أو أن تدعو إلى احتجاجات معارضة لتقلب موازين الحكم. نعم كل ذلك ممكن. ولكن وعلى ما يبدو فإنّ هذا الحال لا ينطبق على أمريكا. فهناك، يعتقدون أنّ السماح للرئيس الأمريكي السابق بمواصلة استخدام وسائل التواصل الإجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر وغيرها، قد تؤدي ببساطة إلى فوضى شعبية ومخاطر كبيرة للغاية، أو هكذا تعتقد الشركات التقنية الكُبرى على كل الأحوال.

لسنا هنا اليوم لندافع عن جهة دون أُخرى، ولا يهمنا إن أُسكِت دونالد ترامب أم لم يُسكَت، لكن لم نستطع إلا أن نتساءل، لماذا أسكتت الشركات التقنية الكبرى ترامب ولم تسكت متطرفين وناشرين كثر لخطابالكراهيةوالتعصب، والذين كانوا السبب في حدوث الكثير من أعمال العنف والقتل، بل منهم من دعا دعوة صريحة إلى ارتكاب مجازر جماعية، ومنهم من سبب بشكل مباشر أو غير مباشر دمار بلدان بكاملها، ومع ذلك لم يَحجُب حساباتهم أحد.

اقرأ أيضًا: الحظر الشّامل غير المتوقع: كيف أسكتت كبرى الشركات التّقنية الرئيس الأمريكيّ السّابق دونالد ترامب؟

لماذا اسكتت الشركات التقنية الكبرى ترامب؟

من المعروف عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي تولى الحكم عام 2016، كثرة استخدامه لموقعي فيسبوك وتويتر، كوسيلة أساسية للتواصل مع العالم ومخاطبة مؤيديه واستفزاز أعدائه. لكن وبعد خسارته في الانتخابات الرئاسية لصالح جو بايدن والتي جرت في خريف 2020، أصبحت العلاقة مع هذه المواقع علاقةً يشوبها التوتر، خصوصًا بعد أن وضعت شركتا فيسبوك وتويتر “علامة مضلل” على بعض منشورات ترامب، والتي نشر فيها أخبارًا مبكرة ومضللة عن فوزه بالانتخابات.

ترامب ينتهك سياسات النشر الخاصة بتويتر

لكن وبعد اقتحام مبنى الكونغرس وأعمال الشغب التي جرت في السادس من كانون الثاني 2021، والتي حدثت نتيجة دعوة ترامب لأنصاره إلى التظاهر والاحتجاج على هزيمته في الانتخابات، نتيجة الغش حسبما يزعم، اتّخذ هذان الموقعان إجراءً غير مسبوق وقاما بحظر حسابات ترامب بشكلٍ مؤقت.

اقتحام مؤيدي ترامب لمبنى الكونغرس

حيث أعلن موقع “تويتر” والذي علّق حساب ترامب في مساء السادس من كانون الثاني، أنّه يرى في رسائل السيد ترامب خطورة محتملة، ومن المحتمل أن تقوم الشركة بتعليق حساب الرئيس بشكل دائم إذا استمر في انتهاك قواعدها، من خلال الدعوة إلى العنف وتشويه التصويت.

بعد تويتر، قام فيسبوك بخطوة مماثلة في وقتٍ لاحق، حيث قال الرئيس التنفيذي “مارك زوكربيرغ” في منشور له: “قررت الشبكة الاجتماعية تعليق حساب السيد ترامب، لأنّ أعمال الشغب التي شنها مؤيدوه في اليوم السابق والتي حثّ عليها الرئيس، أظهرت رغبته في تقويض عملية انتقال السلطة إلى الرئيس المنتخَب جوزيف بايدن جونيور”.

فيسبوك يقرر حظر حساب ترامب

كما كتب زوكربيرغ: “نعتقد أن مخاطر السماح للرئيس بالاستمرار في استخدام خدماتنا هي ببساطة كبيرة جدًّا”. وبالنتيجة، فقد قام فيسبوك وموقع انستغرام بحظر حساب السيد ترامب، والذي سيستمر حتى اكتمال الانتقال السلمي للسلطة.

وكذلك قامت العديد من المواقع الأُخرىبتعليقحساب الرئيس، مثل تطبيق “سناب شات”، ومنصة “Twitch”، وموقع “يوتيوب” أيضًا التابع لشركة جوجل، والذي علّق مؤقتًا قناة الرئيس، وحذف مقطع فيديو له، كما عطّل التعليقات على قناته نتيجة “مخاوف تتعلق بالسلامة” كما أعلن.

اقرأ أيضًا: ليست المرة الأولى.. تعرف على التاريخ المضطرب لاقتحام الكابيتول الأمريكي

هل كان السيد ترامب يا تُرى هو الشخصية السياسية الوحيدة ممن استخدموا مواقع الإنترنت للتحريض على العنف!

حسنًا، ألقوا نظرةً على ما يلي:

في سريلانكا، تصاعدت موجة من الاضطرابات والعنف ضد أقلية التاميل المسلمة عام 2018، نتيجة انتشار العديد من الشائعات وخطابات الكراهية على مواقع الإنترنت والموجهة ضد هذه الأقلية، وهو ما دفع الدولة إلى تعليق استخدام فيسبوك وتطبيق “واتس أب” وتطبيق “فايبر” لمدة أسبوع، قائلةً أنّ فيسبوك لم يستجب بشكل كاف أثناء حالة الطوارئ.

سيرلانكا تحجب مواقع التواصل الاجتماعي عقب اندلاع أعمال عنف

في ميانمار، استخدم القادة العسكريون والقوميون البوذيون وسائل التواصل الاجتماعي لشيطنة وتقبيح صورة أقليةالروهينجاالمسلمة، وتشويه سمعتهم، وذلك قبل وأثناء حملة التطهير العرقي التي ارتكبتها الدولة بحقهم. وقد أعلنت بعثة تقصيّ الحقائق التابعة للأمم المتحدة، أنّ فيسبوك كان أداة مفيدة وأساسية لأولئك الذين يسعون إلى نشر الكراهية، فهو يعتبَر بالنسبة لأغلبية المستخدمين بمثابة الإنترنت كلّه.

أقلية الروهينجا في ميانمار

في ألمانيا، وجد علماء الاجتماع فيدراسةحديثة، أنّ منشورات العنصرية والكراهية المعادية للاجئين، والتي يقوم “حزب البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف بنشرها على صفحاته بموقع فيسبوك، تسبب تصعيدًا كبيرًا في الهجمات على اللاجئين، مثل الحرق العمد والاعتداء على الأفراد.

الاعتداء على مراكز إيواء اللاجئين في ألمانيا

وفي محاولةٍ منها لمكافحة المحتوى الذي يحرّض على الكراهية على الإنترنت، سنّت الدولة الألمانية قانونًا جديدًا يُدعى اختصارًا بقانونNetzDG، والذي دخل حيّز التنفيذ في 1 كانون الثاني 2018. بموجب هذا القانون، تواجه منصات الإنترنت فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها غرامات قد تصل إلى 50 مليون يورو، في حال الفشل المنهجي في حذف المحتوى غير القانوني، وتطالب الدولة هذه المواقع باتخاذ إجراءات سريعة لإزالة الأخبار الكاذبة وخطابات الكراهية والمواد العنصرية تحت طائلة المساءلة القانونية.

بالإضافة إلى ما ذُكر، دعونا نذكر أخيرًا ما حدث في روسيا، ولابدّ أن نذكّر أولًا أنّ مقالنا ليس منحازً، ولسنا ندافع عن دولةٍ ونذمّ أُخرى، نحن فقط نتساءل، لماذا أسكتت الشركات التقنية الكبرى ترامب ولم تسكت متطرفين وناشرين كثر لخطاب الكراهية والتعصب! وبالطبع سيقول الكثيرون منكم أنّ الوضع في روسيا مختلف، ودعوة المعارضة الروسية أنصارها للاحتجاج في الشوارع تختلف عن دعوة ترامب أنصاره للاحتجاج في الشوارع، فما القصة!

دعوة المعارضة الروسية أنصارها للتظاهر ضد الحكومة الروسية

فيروسيا، هناك المعارض ألكسي نافالني، وبغض النظر عن قصته وخلافه مع الحكومة الروسية، إلا أنه وفي أحد الفيديوهات الأخيرة له على موقع يوتيوب، حرّض ودعا الشعب الروسي للنزول إلى الشوارع، والمقاومة والاحتجاج والتظاهر ضد حكومة البلاد. فهل كان ينبغي ليوتيوب أن يعلّق قناته أو يحذف مقطعه “خوفًا على السلامة العامة!” أم أنّ السلامة العامة في روسيا لا خوف عليها!

ألا يبدو مما سبق أنّ الشركات التقنية الكبرى تكيل بمكيالين! لنتابع معًا الاطلاع على الوقائع، علنا نجد إجابةً ما!

اقرأ أيضًا: دونالد ترامب ظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي التي لم يسبق لها مثيل أبداً

ما قبل الحظر، تصعيد متزايد، تهديد ووعيد برفع الحصانة القانونية عن الشركات التقنية!

يمكن القول أنّ قرار الشركات التقنية بتعليق حساب السيد ترامب لم يكن مفاجئًا إلى حدٍّ كبير، إذ أنّ العديد من المناوشات السابقة قد صعّدت حدّة الخلاف بين الطرفين. ففي تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2020، نشر الرئيس ترامب على فيسبوك وتويتر منشورًا يزعم فيه أنّ كوفيد-19 “أقل فتكًا” من فيروس الإنفلونزا، قائلًا فيه: “تعلمت التعايش مع موسم الانفلونزا تمامًا كما نتعلم الآن التعايش مع كوفيد-19، والذي كان بالنسبة لمعظم السكان أقل فتكًا بكثير!!!”.

إخفاء منشور لترامب يتحدث فيه عن ضرر كوفيد-19

لكن فيسبوك حذف المنشور، بحجة تعهده بإزالة المعلومات الخاطئة حول خطورة كوفيد-19، أما تويتر فقد أخفى هذه التغريدة، ووضع علامة تحذير مكانها تتضمن “نشر معلومات مضللة وربما ضارة”، فأصبح يتعين على المتابعين قراءة رسالة التحذير في البداية، ثم النقر عليها للوصول إلى التغريدة وقراءتها. أثار ذلك غضب ترامب ونشر تغريدةًتقول: “إلغاء المادة 230!!!”.

تغريدة نشرها ترامب تقول: “إلغاء المادة 230”

قبل ذلك، في أيار/ مايو عام 2020، غرّد ترامب على تويتر عدة تغريدات تشكك في نزاهة الاقتراع عبر البريد التي استُخدمت في الانتخابات الرئاسية، وقال بما معناه أنّه لا يوجد أيّ شكٍّ في أنّ الاقتراع عبر البريد ليس إلا احتيالًا كبيرًا، في إشارة منه إلى أن عملية الاقتراع هذه ستؤدي حتمًا إلى انتخابات مزورة.

فقام تويتر وفي خطوة غير مسبوقة بوضع علامة تحذير أسفل بعض هذه التغريدات تدعو القراء إلى تدقيق المعلومات الواردة فيها. رد ترامب بتغريدةٍ أُخرى يتهم تويتر فيها بأنه “يضيّق الخناق كليًا على حرية التعبير”، ويهدد أنه “وبصفته رئيسًا للولايات المتحدة فإنه لن يسمح بذلك”. وبالفعل فقد نفّذ تهديده، ووقع بعد ذلك بوقت قصير على أمر تنفيذي يهدف إلى إلغاء بعض جوانب الحماية القانونية الممنوحة لمنصّات التواصل الإجتماعي، أي يهدف إلى تعديل أو إلغاء ما يُعرَف بالمادة 230.

ما هي المادة 230؟

بموجب المادة 230 من قانون آداب الاتصالات الأمريكي الذي صدر عام 1996، لا تتحمل شبكات التواصل الاجتماعي المسؤولية عن المحتوى الذي ينشره المستخدمون عليها، فهي تقوم بدور منتدى أو منصة يلتقي فيها الناشر والمتلقيّ، ولا تلعب دور الناشر. كما أنها تتمتع بالحصانة القانونية من الدعاوى القضائية في حال قامت بإزالة بعض المشاركات  “لأغراض محافظة”، مثل إزالة المحتوى الفاحش أو المزعج أو العنيف، سواء كانت هذه المواد محمية دستوريًا أو لا.

أما الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب فيشير إلى أنّ هذه الحصانة القانونية يجب ألا تطبَّق في حال قامت إحدى المنصات بتحرير محتوىً ما نشره مستخدموها، ويدعو الأمر التنفيذي أيضًا لجنة الاتصالات الفيدرالية إلى توضيح نوع حظر المحتوى الذي سيعتبر خادعًا أو غير متوافق مع شروط وأحكام مزوّد الخدمة. وقال ترامب حينها أنّ وزير العدل سيعمل على صياغة مشروع قانون وتقديمه إلى الكونغرس للتصويت عليه، بشأن إزالة أو تغيير المادة 230.

خلاصة الكلام كما جاء على لسان السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، أنّ منصات الإنترنت عندما تقرر أن تلعب دورًا تحريريًا كأن تضيف علامة تحذير “بحاجة إلى التحقق من الحقائق” فهي تأخذ دور الناشر، بالتالي يجب رفع الحصانة عنها، وأن تتحمل المسؤولية بأن تُعامَل معاملة الناشرين بمقتضى القانون.

ومن جهتها، فإنّ شبكات التواصل الإجتماعي استنكرت أمرإلغاءالمادة 230، واعتبرته أمرًا يؤثر سلبًا على حرية التعبير، ويشكّل ضررًا كبيرًا للاقتصاد الأمريكي.

اقرأ أيضًا: الحس الفكاهي والساخر “عصا سحرية” لجماهير تويتر و فيسبوك تجعل المغمورين نجوماً

هل كانت خطوة حظر حسابات ترامب نتيجة دوافع سياسية؟

في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2020، اتهم المشرعوّن الجمهوريون الرؤساء التنفيذيين لكل من فيسبوك وتويتر وجوجل، بالرقابة والتحيّز المؤيد لصالح المرشح الديمقراطي “جو بايدن”، وذلك بعد أن قامت هذه الشركات التقنية الكبرى بمنع وفرض رقابة شديدة على مشاركة رابط مقال مثير للجدل، نشرته صحيفة “نيويورك بوست”.

صحيفة “نيويورك بوست” تنشر مقال عن وجود ملف فساد ما بين جو بايدن وشركة أوكرانية

يعرض المقال تعاملات فساد ربطت المرشح الديموقراطي “جو بايدن” مع شركة طاقة أوكرانية، والتي كان نجله “هانتر بايدن” يتولى منصبًا فيها. أما المعلومات الورادة في المقال فقد استندت على رسائل بريد إلكتروني وصور تم الحصول عليها من خلال عملية اختراق “قرصنة” لحاسوب هانتر بايدن.

وُجهِتالانتقاداتاللاذعة إلى موقع تويتر نتيجة منع الناس من مشاركة المقال، فردّ “جاك دارسي” المدير التنفيذي، أنه فعل ذلك لأن المقال انتهك سياساته بشأن نشر المعلومات الخاصة و”المواد المخترقة”، لكنه أقرّ لاحقًا بأن القرار لم يكن صحيحًا. حدّ فيسبوك أيضًا من انتشار المقال في خلاصته الإخبارية. ومن غير المعتاد على الإطلاق، أن يحدّ تويتر وفيسبوك من انتشار مقال من مرجع إخباري عريق ونافذ بهذه الطريقة، وهذا ما أثار الكثير من الشكوك حول الدوافع السياسية وتحيّز هذه المواقع.

هل استغلت الشركات التقنية الكبرى ذريعة مكافحة “المحتوى الذي يحرض على العنف” للقضاء على المنافسين؟

على مدى الأشهر العديدة الماضية، أصبح تطبيق Parler أحد أسرع تطبيقات التواصل الاجتماعي نموًّا في الولايات المتحدة. ويعتبر ملاذًا يستخدمه الملايين من أنصار ومؤيدي ترامب والمحافظين وجماعة اليمين، خصوصًا بعد أن لجأ فيسبوك وتويتر إلى حملة قمع متزايدة على المنشورات المحتوية على معلومات مضللة، والمنشورات التي تحرض على العنف، بما في ذلك إقدامها على إسكات ترامب بتعليق حساباته.

لكن وفجأة أصبح تطبيق بارلر يناضل للبقاء حيًا! ففي العاشر من كانون الثاني/ يناير 2021، قامت “Apple” و “Google”  بإزالة التطبيق من متاجر التطبيقات الخاصة بها، وذلك بحجة مفادها أنّ التطبيق لم يكن قادرًا بشكل فعال على تحديد وإزالة المحتوى الذي يشجع أو يحرّض على العنف.

إزالة تطبيق بارلر من متاجر “آبل” و”جوجل” و”أمازون”.

وبعد ذلك بوقتٍ قصير، قامت “أمازون” بخطوة مماثلة وأخبرت التطبيق أنّها ستزيله من خدمة الاستضافة السحابية الخاصة بها، بسبب الانتهاكات المتكررة لقواعد أمازون. وتعني هذه الخطوة التي قامت بها “أمازون” أنّ النظام الأساسي بالكامل لشركة “بارلر” سيتوقف عن العمل بغضون وقتٍ قصير، في حال لم يتمكن من العثور على خدمة استضافة جديدة قريبًا.

من جهته، يعتقد الرئيس التنفيذي لشركة “بارلر”، “جون ماتزي”، أنّ الشركات التقنية الكبرى تهدف من هذه الخطوة إلى القضاء على المنافسة بكل تأكيد، وأضاف إنّ “عمالقة التكنولوجيا قد تصرفوا بجهد منسق من أجل إزالة حرية التعبير تمامًا من الإنترنت”. كما يرى العديد من المديرين التنفيذيين في شركة “بارلر“، أنّ تحركات الشركات التقنية نتيجة دوافع سياسية وللقضاء على المنافسة.

لطالما تغنّت الشركات التقنية الكبرى بأنها تضمن للجميع حرية التعبير على مواقعهم، فهل أصبحت اليوم تقرر من يمكنه الاتصال بالإنترنت ومن لا! أم أنها حقًّا تحاول السيطرة على المحتوى الذي يحرّض على العنف! إذًا ومرةً ثانية ألقوا نظرةً على ما يلي:

في الهند، تصاعدت موجة من حكم الغوغاء والعنفالطائفيضد المسلمين بشكل كبير بعد وصول حزب “بهاراتيا جاناتا” الهندوسي القومي إلى السلطة عام 2014، والتي نتجت في كثير من الحالات نتيجة استخدام تطبيق “واتس آب” كوسيلة لنشر خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة المحرضة. ومع ذلك، فهل قامت الشركات التقنية أمثال “جوجل” و”آبل” بإزالة التطبيق من متاجرها الخاصة!.

ربما لسنا نخطئ إن قلنا بأنّ تطبيق تليجرام هو أحد أكثر التطبيقات التي استُخدمت يومًا لنشر المحتوى الذي يحرض على العنف والقتل والإرهاب. إذ يعتبر هذا التطبيق منصة الدردشة المفضلة لدى عناصر المجموعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي “داعش”، وذلك بسبب قنوات الدردشة السرية وميزات التشفير من الطرف إلى الطرف الخاصة به. ومع ذلك، فهل قامت الشركات التقنية أمثال “جوجل” و”آبل” بإزالة التطبيق من متاجرها الخاصة، لهذهالأسبابعلى الأقل!

اقرأ أيضًا: من هو شارلي؟ الهستيريا الجماعية ورهاب الأجانب: عن فرنسا ما قبل شارلي إيبدو

هل يُعتبَر قرار الشركات التقنية الكبرى بحظر ترامب تهديدًا لحرية التعبير؟

في النهاية، حاولنا باستعراض المعلومات السابقة أن نبحث لماذا أسكتت الشركات التقنية الكبرى ترامب ولم تسكت متطرفين وناشرين كثر لخطاب الكراهية والتعصب، فهل كان ذلك بدواعي سياسية أم اقتصادية وخوفًا من المنافسة! أم أنّ أعمال العنف لا تكون عنفًا إلا إذا حدثت في أمريكا، أما في باقي دول العالم فـ”معلش”!.

بغض النظر عن الأسباب التي دفعت الشركات التقنية إلى اتخاذ قرارها بحظر حسابات ترامب، فهل تعتبر هذه الخطوة تهديدًا لحرية التعبير! هذا ما تعتقده “أنجيلا ميركل” المستشارة الألمانية، والتي انتقدت قرار تويتر واعتبرته “خطوة إشكالية”، وقالت على لسان المتحدث الرسمي باسمها: “الحقّ في حرية الرأي له أهمية أساسية”.

ميركل تنتقد قرار تويتر بحظر حساب الرئيس ترامب

انتقد القرار أيضًا وزير الدولة الفرنسي لشؤون الاتحاد الأوروبي، “كليمان بون”، والذي دعا إلى تنظيم جديد لشركات التكنولوجيا الخاصة. كما قال في لقاء تلفزيوني “هذا يجب أن يقرره المواطنون وليس المدير التنفيذي” وأضاف: “يجب أن يكون هناك تنظيم عام لمنصات الإنترنت الكبيرة”.

الوزير الفرنسي “كليمان بون” ينتقد قرار الشركات التقنية بحظر ترامب

وكذلك قال الوزير البريطاني، “مات هانكوك”، إنّ قرار شركات التواصل الاجتماعي بحظر حسابات ترامب يثير “سؤالًا كبيرًا للغاية” من ناحية التنظيم، فهو يعني أنّهم يتخذّون قرارات تحريرية.

الوزير البريطاني “مات هانكوك”

أما زعيم المعارضة الروسية، “ألكسي نافالني”، فقال بأن قرارالشركاتهو “عمل رقابة غير مقبول”. وأضاف: “في روسيا كذلك الأمر، في كلّ مرةٍ سيحتاجون فيها إلى إسكات شخصٍ ما، سيقولون: هذه مجرد ممارسة شائعة، حتى ترامب تم حظره على تويتر!”.

اقرأ أيضًا: بعد كل هذه المشاكل الأمنية وانتهاك الخصوصية.. هل تستطيع شركات التقنية الكبرى استعادة ثقتنا مجدداً؟