«البقاء للأكسل»: دراسةٌ علميةٌ جديدةٌ توضح سلوك التكيّف الأفضل للكائنات

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/24
«البقاء للأكسل»: دراسةٌ علميةٌ جديدةٌ توضح سلوك التكيّف الأفضل للكائنات

أشارت دراسةٌ صدرت مؤخرًا، تمّ فيها استكشاف عدد ضخم من المستحاثات والأحافير وبعض الحيوانات الصدفيّة الأُخرى الواقعة في منطقة المُحيط الأطلسي. أنَّ سلوك التكيّف الرئيس من أجل البقاء غالبًا ما يكون على ارتباط مع كسل الحيوان وركوده، سواءٌ كان ذلك على نطاق أفراد مُستقلة بذاتها، أو أنواع، أو عدّة جماعات من الأنواع حتى.


البحث تمّ نشره ضمن مجلّة The Proceedings of the Royal Society B من قبل فريق بحثي متخصص من جامعة كنساس.


من خلال تحليل لـ 299 نوع من الحيوانات التي عاشت تقريبًا منذ حوالي 5 مليون سنة وإلى الآن، مع الأخذ بعين الاعتبار لـ (مُعدلات الاستقلاب – كمية الطاقة التي يحتاجها الكائن لكي يعيش)، وُجِدَ أنَّ معدّلات الاستقلاب العالية – تجاوزًا ولسهولة الفهم يمكن القول أنَّها الحيوانات النَشطة أكثر – كانت أكثر عرضةً لخطر الانقراض من غيرها.


يُعقّب على هذا الكلام، الباحث المسؤول عن العملية Luke Strotz ليقول التالي: «هل باستطاعتنا إذن الآن أن ننظر إلى احتمالية انقراض الأنواع الحية اعتمادًا على كمية الطاقة التي تستهلكها؟ خصوصًا أنَّ الفرق بين الحيوانات الرخوية التي انقرضت منذ حوالي 5 مليون سنة، وبين تلك التي ما تزال حيةً إلى الآن، أنَّ تلك التي انقرضت كان لها معدلات استقلاب أعلى من تلك التي لا تزال حيةً لوقتنا الحاضر، فالبقاء المديد للكائنات التي تعمل بطاقة دُنيا يكون أكبر من تلك التي تعمل بشكلٍ نشط وسريع حيويًا».


يُضيف إلى هذا Bruce Lieberman، أستاذ الأحياء التطورية في جامعة أوكسفورد بالقول: «يبدو أنَّه على المدى البعيد، الاستراتيجية الأكثر تفضيلًا لبقاء الكائنات، هي أن تكون كسولةً وهادئةً مع استهلاك في الحدود الدنيا للطاقة. ذلك، أنَّ البقاء للأصلح قد تُستبدل أو يزداد معناها وضوحًا لتشير إلى أنَّ الأصلح هو الأكسل والأكثر ركودًا، والأقل إثارةً للضجيج فيما يتعلق بالطاقة واستهلاكها».


يُشير الباحثون في هذا المجال أيضًا، إلى أنَّ هذه الاكتشافات قد تلقي ضوءًا على الأنواع المهددة بالانقراض في الأزمنة المقبلة، لا سيما تلك التي تتمتع بمعدلات عالية من التمثيل الغذائي واستهلاك الطاقة.


يُضيف Luke Strotz في الحديث ليقول: «بمعنى ما، لايزال موضوع الانقراض في حيّز الاحتمالية. فعلى مستوى الأنواع خصوصًا، ليست مُعدلات الاستقلاب وحدها هي التي تساهم في اندثار النوع وحسب، بل هناك عدّة عوامل أُخرى تلعب دورها. لكن يمكن القول أنَّ هذه المعدلات المرتفعة من الأيض تشكّل أحد الأدوات المُساهمة لذلك المصير، وهذا حتمًا سيُعطينا فهمًا جديدًا لآلية اختفاء الأنواع، ويساعدنا في وضع احتمالات صحيحة لما سيحدث لاحقًا».


«البقاء للأكسل»: دراسةٌ علميةٌ جديدةٌ توضح سلوك التكيّف الأفضل للكائنات


وقد وجدَ الفريق الباحث مُلاحظة أُخرى جديرة بالاهتمام، وهي أنَّ المعدلات الاستقلابية العالية تدفع إلى انقراض الأنواع ذات المسكن الصغير والمحدود جغرافيًا، في حين أنَّها تقل وتلعب دور شبه ثانوي في حالة الحيوانات ذات المسكن والانتشار الأكبر.


يقول Luke Strotz: «إنَّ هناك اختلافًا في تسارعات انقراض هذه الأنواع وفقًا لتوزعها الجغرافي، كما أنَّ أحجام هذه الكائنات تلعب دورًا مهمًا في الموضوع أيضًا. إذ يبدو أنَّ تلك التي تكون ذات توزّع جغرافي ضيق، بالإضافة لمعدل استقلاب عالي، تميل للانقراض بشكلٍ أسرع مما يشابهها من حيوانات لها الاستقلاب بنفس معدله».


كما وُجدَ أيضًا أنَّ الأمر يختلف من حدود الأفراد إلى الأنواع، فالمعدل العام للاستقلاب عند النوع يبقى ثابتًا نوعًا ما، على الرغم من وجود بعض الشذوذات والانخفاضات ضمن أفراد محددة مُستقلة داخله.


يضيف Luke Strotz أيضًا: «لقد وجدنا بالنظر الكُلي على مختلف التجمّعات الحيوانية، وما تحتويه من أنواع متضمنة داخلها، أنَّ معدّل الاستقلاب الوسطي للتجمّع بأكمله يميل دائمًا للبقاء مُستقرًا على مدى الزمن. إذ أنّ هناك أشبه ما يكون بالركود بالنسبة لاستهلاك الطاقة ضمن هذه التجمعات، لا سيما مع نشوء أنواع جديدة تسلك نفس النهج السابق، على الرغم من شدة الانقراض التي قد تهدد النوع بأكمله».


ويقول الباحث القائد للمشروع، أنَّ الدراسة قد تمت على الرخويات – نوع من الحيوانات التي لا تمتلك عظامًا تسمى الرخويات – بسبب توافر البيانات عنها، سواءٌ كانت الحيوانات الحية منها أو المنقرضة حتى.


خصوصًا أنَّ الدراسة حصلت على عدد ضخم من الحيوانات، والتي كان لا بدَّ من توافر قاعدة بيانات كبيرة عنها، ويُضيف الباحث بالقول أنَّ العديد من هذه الحيوانات الصدفية لا تزال حيةً إلى الآن. لذلك، الكثير مما يُحتاج من بيانات ومعلومات عنها سيأتي من نظامها الحيوي التي لازالت تعيش به للآن، والسبب في اختيار منطقة غرب الأطلسي لدراسة هذه الأنواع هو توفّر عدد ضخم من الأحافير والحيوانات الرخوية في تلك المنطقة، وتمَّ الاستعانة أيضًا بما هو خارج تلك الحدود أيضًا.


ووفقًا للفريق البحثي، فإنّ الاستمرار ومتابعة هذه الدراسة ستصب في إطار فهم كيفية انقراض بقية الأنواع، ولربما الحد من حدوثه أيضًا.


إذ يقول الباحث Luke Strotz أنَّ هذه النتائجَ قابلةٌ للتعميم على أنواع أُخرى من حيوانات، على الأقل الحيوانات البحرية. في حين أنَّ التعميم سيبدأ تباعًا وبشكلٍ تدريجي، طارحين في هذا المجال عدّة أسئلة ستكون قيد البحث، فهل الموضوع سينطبق على سائر الأنواع أم فقط الرخويات البحرية؟ وهل بالإمكان تطبيقه على النظام الحيوي لكامل الكرة الأرضية أيضًا؟


هذا ما سيكون مَبحث الدراسات القادمة، ولعلّ الكثير من المعلومات والحقائق المُفيدة ستكشفها الأيام تباعًا.