الهندسة العبقرية خلف تصنيع علبة الصودا !

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/09/27
الهندسة العبقرية خلف تصنيع علبة الصودا !

كل ثانية، يصنع العالم نحو 15000 علبة صودا! لكن أحداً لا يتوقف ليفكر قبل فتحها لماذا تم تصميمها بهذا الشكل الغريب، لماذا ليست أسطوانة وحسب؟! لم لم تتخذ شكلاً مربعاً مثلاً، فهذا يحفظ مساحة هائلة في التخزين والشحن! للأسف لا يفكر معظمنا في منتج كهذا سوى بالعقلية الاستهلاكية، نحن نريد ما بداخله على أي حال!


يشرح البروفيسور بيل هاماك أستاذ الهندسة الكيميائية بجامعة إيلينوي السبب وراء تصنيع علبة الصودا بذلك الشكل المميز، وكيف كان شكلها قبل ذلك، والمراحل التي تتم بها صناعة علبة واحدة من الصودا، لتدرك أن الأمر احتاج عقولاً مجتهدة لتوفر ما يقرب من تسعين مليون كيلو جراماً من الألومنيوم سنوياً بمجرد تقليل قطر رأس علبة الصودا بمقدار ستة مليمترات فقط!


صلاحية البدائل


الهندسة العبقرية خلف تصنيع علبة الصودا !


يبدأ البروفيسور بشرح لم كانت الأشكال البديلة غير مجدية في استخدامها، فمثلاً لن يصلح الشكل الكروي برغم أنه يستهلك أقل كمية معدن ممكنة لتصنيعه، كما أن ضغط الصودا من الداخل متساوً على جميع النقاط على العلبة، مما يعني أنه لا يوجد نقاط ضعف في جسم العلبة.


لكن الشكل الكروي يظهر مساوئ استخدامه إذا تركت العلبة على منضدة! فإنها ستسقط بالتأكيد، كما أنها تستهلك 74% بالمئة فقط من الحجم الذي توضع فيه للشحن، مما يدع نسبة تفوق على الربع في فاقد الشحن والتخزين.


من ناحية أخرى فإن الشكل المكعب سيبدو غريباً جداً وغير مريح عند الشرب منه، كما أن الحواف المربعة تشكل نقاط ضعف في بنيتهن مما سيتطلب مزيداً من المعدن لتقوية تلك الأركان، إلا أنها تستهلك الفراغ أثناء الشحن والتخزين بكفاءة تامة.


ويخرج المهندسون بحل وسط في هيئة اسطوانية، يكون لها الشكل الدائري من أعلى والهيئة المربعة من الجوانب، الأمر الذي يجعل كفاءتها في التخزين والشحن تصل إلى 91%.


مراحل تصنيع علبة الصودا


الهندسة العبقرية خلف تصنيع علبة الصودا !


تبدأ عملية التصنيع بقرص ألومنيوم نحيف وبسيط، لتبدأ بعدها مراحل التشكيل لذلك القرص كي يصل إلى علبة أسطوانية، بما فيها تلك القبة الصغيرة في الأسفل التي تقلل كمية المعدن المستخدمة في التصنيع.


وتتم هذه المراحل (إعادة تشكيل القرص، سحب الأسطوانة الناتجة لزيادة طولها، تشكيل القبة من الأسفل) بسرعة جداً إلى حد أنها لا تستغرق أكثر من سبعة أجزاء من الثانية فقط! يذكر أن الأداة التي تشكل العلبة تتحرك بسرعة 11 م/ث!


ثم تمر بعدها العلبة بمرحلة الدهان الخارجي لإعطائها لونها المميز لعلامتها التجارية، وكذلك يدهن داخل العلبة بمادة تمنع اكتساب الشراب للنكهة المعدنية، كما يمنع الأحماض من التفاعل مع جدار العلبة.


تشكيل العنق


الهندسة العبقرية خلف تصنيع علبة الصودا !


وكما تطلبت عملية تشكيل الجسد الخارجي عدة مراحل، فإن مرحلة تضييق عنق العلبة تتم على 11 خطوة حتى نصل إلى القطر المطلوب. وقد مر قطر علبة الصودا بمرحلتي تقليل له بلغتا في المجمل ستة مليمترات على مدار عمر صناعة علب الصودا، تلك المليمترات القليلة مكنت العالم من توفير ما يقرب من تسعين مليون كيلوجرام من الألومينوم سنوياً!


المرحلة التالية هي وضع الغطاء العلوي، وتتم على مرحلتين أساسيتين لإتمام دمج الغطاء مع جسد العلبة بدون فراغات تحمل أي غازات بها، ولضمان عدم هروب غاز من داخل العلبة إلى خارجها، ليحبس الغاز بداخل العلبة مشكلاً ضغطاً يعادل ضعف الضغط الجوي العادي.


لماذا تكون علبة الصودا صلبة قبل فتحها؟


الهندسة العبقرية خلف تصنيع علبة الصودا !


تصل علبة الصودا في نهاية خط الإنتاج إلى سمك قليل جداً (75 ميكرون) يجعل من السهل على أي كان أن يضغطها أو يشوه شكلها الخارجي، قد يحدث الأسوأ بأن ينضغط السائل إلى أن يمزق أعلى العلبة ويخرج.


لذا فإن وضع غاز في العلبة مع الشراب يضغط على أركان العلبة من الداخل ليشكل دعامة جيدة تمنع العلبة من الانضغاط. يقوم ثاني أكسيد الكربون في المشروبات الغازية بتلك المهمة، أما في العصائر وما شابهها فيستخدم النيتروجين.


الصغير العبقري، فاتح العلبة


الهندسة العبقرية خلف تصنيع علبة الصودا !


إن كان عمرك كبيراً بما يكفي فستذكر الشكل القديم لفاتح علب الصودا الذي كنا نزيله بالكامل من العلبة، على عكس الشكل الجديد الذي يضغط بجزء من الغطاء ويدفعه إلى داخل العلبة. ولطالما تساءلت عن سبب تلك التقنية الجديدة منذ أن افتقدت الشكل القديم.


الهندسة العبقرية خلف تصنيع علبة الصودا !


يعود السبب كما يقول البروفيسور بيل إلى أن الشكل القديم كان يلقى في الغالب على الأرض مما يسبب نفاية ضارة لمن يخطو عليها بقدمه، لذا فإن صناعة علب الصودا استجابت بحل ذكي جداً.


إن لاحظت حركة فاتح العلبة الجديد، فسترى أنه يبدأ كرافعة من النوع الثاني (تخيل عصا مثبته على الأرض من أحد أطرافها وأنت ترفعها من الطرف الآخر، مثل العتلة).


لكن وفي تلك اللحظة الصغيرة التي تنفتح فيها العلبة، فإن الفاتح يتحول إلى رافعة من النوع الأول (تخيل عصا مثبتة من منتصفها وتحركها بالتحكم في الجانبين، مثل مروحة من ريشتين أو لعبة التوازن التي يلعبها الأطفال)، ويصبح ذلك الزر الصغير الذي يثبت الفاتح بالغطاء هو المحور، وكلما رفعت الفاتح أكثر كلما ازداد الضغط على الغطاء فينفتح.


ويكمن سر تلك الحركة في تصميم الفاتح نفسه، وفي الضغط داخل العلبة الذي يساهم في تثبيت طرف الفاتح الملامس له في بداية الحركة، ليكون موضع التلامس هو محور الارتكاز، حتى إذا فتح نقير صغير في الغطاء وتلاشى الضغط، فإن الفاتح يعمل كرافعة من النوع الأول يكون فيها المنتصف هو محور الارتكاز، وتحركه أنت بيدك من أحد الطرفين لأعلى لكي تزيح القطعة المعدنية الصغيرة في الغطاء لأسفل وتنفتح العلبة! شيء رائع وعبقري! أليس كذلك؟!


يمكنك مشاهدة الفيديو هنا لمزيد من التوضيح والمتعة العلمية الخالصة!