المحتويات
إرم ذات العماد
ذكرت كتب اللغة لفظ إرم على أنّه الحجارة التي يتم نصبها، أما جمع إرم فهو أُروم وآرام، وورد اللفظ في القرآن الكريم مرة واحدة فقط، وكان مرتبطاً بصفة ذات العماد، فقال تعالى في كتابه العزيز: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ)،
موقع إرم ذات العماد
اختلفت الآراء حول موقع مدينة إرم، ولم يُعثَر على كتاباتٍ ونقوشٍ لقوم عاد تبين موضع مدينتهم بالتحديد، ولم يتم الجزم إن كانت مدينة إرم في بلاد الشام، أم في اليمن، أم في مكان آخر، وقد ورد لفظ الأحقاف في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ)؛
وذهب بعض الباحثين إلى أنّ مدينة إرم هي دمشق ذاتها، أما الرأي الثالث فكان أنّها مدينة الإسكندرية، وقد ورد عن الحسن بن أحمد الهمداني في كتابه الإكليل أنّ العجم اعتبروا مدينة إرم ذات العماد تقع في دمشق، وأن جيرون بن سعد بن عاد هو الذي بناها وسماها جيرون ذات العماد؛ بسبب أحجار أعمدتها الكبيرة، كما جاء عن الجغرافي بطليموس أنه ذكر وقوع مدينة آراماوا في بلاد الشام، ويُرجّح أنها هي مدينة إرم، أما الحفريات التي قامت بها بعثة المعهد الفرنسي ودائرة الآثار الأردنية فقد أسفرت عن أنّ موضع إرم هو جبل رم الواقع على بعد 25 كم إلى الشرق من مدينة العقبة، كما وُجِدَت إلى جانبه آثار قديمة مندثرة، لم يبق منها إلّا عين ماء كانت القوافل المارة من الشام إلى الحجاز تتوقف عندها، وبذلك فإن الرأي الراجح أنّ مدينة إرم والتي هي موطن قوم عاد تقع في الجزء الشمالي الغربي من جزيرة العرب، وتمتد من شمالي الحجاز ونجد إلى بلاد الشام.
ومن الدلائل على أنّ موضع إرم ليس في دمشق، هي: مُجاورةُ قوم ثمود لقوم عاد، كما ارتبط ذكر عاد بذكر ثمود في القرآن الكريم في الكثير من المواضع، كما ذكر ياقوت أن إرم هو اسم جبل عظيم من جبال حِسمى في ديار جُذام بين أيلة أي العقبة ومنطقة تيه إسرائيل، ويمكن القول أنّ أرجح الآراء والأكثر قبولاً لدى الباحثين هو أنّ موقع مدينة إرم بالقرب من مدينة العقبة.
قوم عاد
يعود أصل قوم عاد إلى عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح الذي نزل هو وولده بالأحقاف وكان يعبد القمر، أما مَن جاء من بعده من الأولاد فقد عبدوا الأصنام، فأقاموا ثلاثة أصنام وعبدوها، وهي: صمود، والهباء، وصداء، وكان قوم عاد يتوزّعون في قبائل عشرة تمتّع أفرادها بقوة بنيان أجسادهم وضخامتها؛ الأمر الذي سمح لهم ببناء مدينة وحضارة ضخمة وعظيمة، لم يُخلق مثلها في كل البلاد، كما تميّزت أرضهم بخصوبتها، وكثرة أشجار النخيل فيها، وقد افتُتن قوم عاد بقوتهم وبحضارتهم المجيدة، ولم يشكروا الله تعالى على ما خصّهم من النِّعَم، بل ساروا في طريق الكفر والطغيان، ونسوا ما حلّ بالأقوام الطغاة من قبلهم، مثل قوم نوح عليه السلام الذين أهلكهم الطوفان.
ومع مرور الأيام انتقل قوم عاد إلى أرضهم الجديدة، وظنّوا أنّه بإمكانهم تفادي أي خسائر قد تحدث بسبب طوفان آخر؛ وذلك عن طريق بناء الأصرحة والمساكن على قمم الجبال والمرتفعات، فسكنوا بداية في بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة، ثم بنوا المصانع التي تنحت الأحجار، وأقاموا القصور والقلاع على المرتفعات التي تحمي الناس من عوامل الطبيعة المدمرة، وظهرت الثقافة الحديدية التي جعلت قوم عاد يستكبرون استكباراً شديداً في الأرض، وكفروا بالنعم، واستهانوا بالقتل، ولم يحسبوا حساباً للفضيلة، بل أنكروها وعتوا عتوّاً شديداً، وقد أرسل الله لهم هوداً عليه السلام، وهو رسولٌ من بينهم معروف بصدقه وأمانته، ودعاهم بكلّ لطفٍ وعطفٍ لدين الحق، ولاتّباعه وعبادته لله، وترك عبادة الأصنام، كما نصحهم بعدم التعالي والتعامل بخشونة مع الناس؛ إلّا أنّهم أنكروه وكذّبوه.
بنى قوم عاد بيوتهم وشيّدوها بمناعةٍ كبيرة، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتهم، ثم استكبروا عن دعوة الحق على الرغم من تحذير هود عليه السلام لهم؛ حيثُ أخبرهم أن يوم البعث إذا جاء لن تقف أمامه حصونهم المنيعة؛ لأنّ الله هو الذي أعطاهم تلك القوة والحضارة، وعليهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى، كما بيّن لهم شدة خوفه عليهم لأنّهم قومه؛ إلّا أنّهم قابلوا إحسانه بالخشونة والقسوة، وتمسكوا بعصيانهم إلى أن حبس الله عنهم المطر مدة ثلاث سنوات حتى أتاهم القحط، ولم يزدهم ذلك إلّا عناداً وطغياناً، وقد عمدوا إلى عبادة الأصنام لتنزل عليهم الأمطار، إلى أن بعث الله لهم غيمةً سوداء، ففرحوا واستبشروا، ولم يعلموا أن فيها هلاكهم، فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حتى هلكوا جميعاً؛ إلّا هوداً عليه السلام ومن معه من المؤمنين.
المراجع
- 1 - سورة الفجر، آية: 6-7. .
- 2 - سورة الفجر، آية: 8. .
- 3 - إِحسان النص، " إِرم ذات العماد " , www.arab-ency.com , إِحسان النص، .
- 4 - سورة الأحقاف، آية: 21. .
- 5 - تعريف و معنى أحقاف في معجم المعاني الجامع , www.almaany.com , 2017-10-17. بتصرّف. .
- 6 - محمد هشام الشربيني، <i> " المخابرات في الدولة الإسلامية " , ، العربي للنشر والتوزيع، صفحة 80-88 , محمد هشام الشربيني، .