التعريف بالشاعر
و هو أبي الطيب المتنبي و هو شاعر و حكيم عربي ذو شهرة واسعة عرف بشخصيته المميزة و بغموضه ثم ان شعر المتنبي قد حير الناس و استصعب عليهم فهم مقاصده و هي ايضا الاسباب التي جعلت ابن رشيق يلقبه ببمالئ الدنيا و شاغل الناس و قد ترك الكتنبي عددا كبير من القصائد المتنوعة و منها قصيدة الرياح بما لا تشتهي السفن و تعتبر قصائد المتنبي سجلا تاريخيا لاحداث عصره[1].و قد لقب المتنبي بهذا اللقب لعدة اسباب اختلف حولها المؤخرون فمنهم من قال انه ادعى النبوة في شبابه و لهذا لقب بذلك و منهم من قال لقب بهذا اللقب لما ورد عنه من ورع في خلقه و ولد المتنبي في الكوفة سنة ثلاث و ثلاثمائة و قد اختلف المؤرخون في نسبه و تعددت ايضا الاغراض الشعرية في شعر المتنبي و من هذه الاغراض :
المديحالهجاءالفخرالرثاءالغزللبوصفالحكمة
سبب كتابة قصيدة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
نظم المتنبي هذه القصيدة و هو في مصر عندما بلغه ان قوما نعوه في مجلس سيف الدولة و كان ذلك في حلب و قد كانوا ايضا يريدون إفساد علاقته بسيف الدولة فجعلوه يقلل من مكانة و شأن المتنبي بشتى المجالات و لهذا السبب ايضا رحل المتنبي الى مصر حيث رحب في وقتها كافور الاخشيدي به و لم يبخل عليه بالمال و من ثم وصله عن الفاسدين من حاشية سيف الدولة انهم يدعون ان المتنبي قد مات او قتل و لهذا كتب هذه القصدة .
شرح قصيدة تجري الرياح
بم التعلل لا اهل و لا وطن و لا نديم و لا كأس و لا سكنو التعلل هنا يعني الملهى و مشاغلة النفس و النديم هو الصاحب او جليس الخمر و السكن هو من تسكن اليه و ترتاح و يخاطب المتنبي هنا نفسه قائلا لم يبق لي ما اشغل به نفسي فأنا بعيد عن أهلي و وطني و مجالسي و أصحابي و لقد عانى المتنبي في هذه الفترة من مطل كافور الاخشيدي و ما وعده به من ولاية و مكانة
[2].
أريد من زمني ذا أن يبلغني ما ليس يبلغه من نفسه الزمنييقول المتنبي أريد و أبتغي من زمني أن يوصلني الى ما لم يصل اليه الزمن بنفسه و يقصد هنا أنه يريد و يتمنى أن يظل شبابا و يظل في سعادة و صحة و لا يشيب ابدا .
لا تلق دهرك الا غير مكترث ما دام يصحب فيه روحك البدنو يخاطب المتنبي هنا نفسه ايضا و يقول ما دمت على قيد الحياة فلا تكترث بالزمان و ظروفه فإنها تزول و لا تبقى و الشئ الوحيد إذا ذهب و زال و لا يعود و لا يعوض هو الروح فقط .
فما يديم سرور ما سررت به و لا يرد عليك الفائت الحزنو هذا يؤكد البيت السابق فهو يؤكد على نفسه ان لا تبال بما يحدثه الدهر و إن الحزن يزول و يذهب و كذلك الفرح يزول و يذهب و ذلك لأن كل شئ زائل .
مما أضر بأهل العشق أنهم هووا و ما عرفوا الدنيا و ما فطنواو أهل العشق هنا تعني الذين يعشقون الدنيا و لم يعرفوا انها غدارة و يعني هذا البيت أنه احب الناس الدنيا من قبل ان يعرفوا هذه الدنيا على حقيقتها المرة و لم يعرفوا ايضا حقيقة الناس و ما فيهم من صفات الغدر و الخيانة و لو فطنوا لذلك ما أحبوا الدنيا و ما أضاعوا أيامهم و أنفسهم في سبيل ما لا يستحق .
يا من نعيت على بعد من بمجلسه كل بما زعم الناعون مرتهنو يقول المتنبي هنا لسيف الدولة ان كل من ادعى موته في حضرةو حضور سيف الدولة رهن عقيدته هذه لان روحه غير باقية في الدنيا الا كوديعة أي أنه ميت مثل كل الناس .
كم قد قتلت و كم قد مت عندكم ثم انتفضت فزال القبر و الكفنيقول المتنبي ايضا لسيف الدولة أنه قد حسبتم مرارا و تكرارا قتلي و موتي من إشاعات حاشيتكم لكنني بعدها استطعت أن أزيل أذى القبر و التراب و الكفن .
قد كان شاهد دفني قبل قولهم جماعة ثم ماتوا قبل من دفنوايقول المتنبي أن جماعة من حاشية سيف الدولة إدعت موته جسدا و ليس روحا و لكنهم هم في الحقيقة من ماتت أرواحهم أي أنهم بقوا أجساد بدون أرواح لخبثم و بما فعلوه للمتنبي من فساد يدل على سقوطهم اخلاقيا .
ما كل ما يتنمى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفنيقول المتنبي أن أعدائه و هم حاشية سيف الدولة يتمنون له الموت و لا يدركون و لايحققون ما يتمنون فإن الرياح لا تجري كلها على ما تريده السفن و يقصد راكبيها و قد جاء المتنبي بمثل السفن للتعبير عن خيبة رجاء حاشية سيف الدولة و كثيرا ما تقال هذه المقولة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .
رأيتكم لا يصون العرض جاركم و لا يدر على مرعاكم اللبنو العرض هو الحسب و الشرف و هذا البيت يوجهه المتنبي لسيف الدولة قائلا من يجاوركم لا يقدر و لا يستطيع أن يصون عرضه لان يشتم عندكم و أنتم لا تكترثون و إذا رعت الماشية في أرضكم فإنها لا تدر اللبن .
جزاء كل قريب منكم ملل و حظ كل محب منكم ضغنو الضغن في اللغة يعني الحقد و يقول المتنبي أن من كان قريب منكم أبغضتموه و مللتموه و لم تحبوه و من كان يحبكم حقدتم عليه فأنتم لا تجازون المحب و الغريب بما يستحقه و كان هذا آيضا كلاما يوجهه المتنبي لسيف الدولة و حاشيته .
و تغضبون على من نال رفدكم حتى يعاقبه التنغيص و المننو الرفد هو العطاء و التنغيص هو تكدير العيش و المنن جمع منة و هو التباهي بالمعروف و يعرض المتنبي بسيف الدولة قائلا أنه لا يخلو عطاؤكم من التكدير و المن و الاذى .
إني أصاحب حلمي و هو بي كرم و لا أصاحب حلمي و هو بي جبنيقول المتنبي أنه يحلم عمن يؤذيه ما دام حلمه منسوبا الى كرمه أما إذا كان منسوبا الى الذل و الجبن لم يحلم و لم يصبر .
و لا أقيم على مال أذل به و لا ألذ بما عرضي به درنيقول المتنبي أنه لا يثبت و لا يبقى لا مال يذلونه به و كما أنه لا يتلذذ بما يتسخ به شرفه .