خلال السنوات الأخيرة حظيت تقنيّة بلوك تشين على انتشار وقبول واسع في المجال التقني، فعلى عكس العملات الرقميّة التي ما زالت تعاني في كثير من الدول مع عدم تواجد دعم كافٍ لها ولا قوانين لتنظيمها بالشكل المطلوب، حظيت بلوك تشين بدعم كبير مع قيام الكثير من الشركات والمؤسسات الحكوميّة باستخدامها او الاستثمار في هذا المجال من أجل تطويرها وتوسيع استخداماتها في المستقبل.
تعتبر بلوك تشين بنظر الكثيرين عبارة عن الجيل الجديد من العصر الرقمي الذي يشهد العالم آثاره اليوم، حيث أنّ الكثير من الآمال مرتبطة بها من أجل تحسين الواقع الحالي، فعلى الرغم من الفوائد التي قدّمتها التطوّرات التقنيّة في شتّى المجالات، إلّا أنّ مشاكل كثيرة وعلى رأسها الأمان والخصوصيّة ما زالت عقبة أمام دفع عجلة التطوّر للأمام بشكل أكبر، وفي هذا المقال سنتكلّم عن أهمّ المجالات التي من شأن بلوك تشين أن تحسّن منها وتجعلها أفضل مما هي عليه الآن، فتابعوا معنا للتعرف عليها.
حريّة الصحافة
على الرغم من أن الصحفيين يمتلكون حريّة أكبر في التعبير عن رأيهم ونشر الأخبار المختلفة مقارنةً بالسابق، إلّا أنّ ذلك ما يزال غائباً عن الكثير المناطق والدول حول العالم، حيث أنّ الوكالات الإخباريّة والمجلّات والصحف ما زالت غير مستقلّة بشكل كامل حتى تصبح قادرة على النشر بحريّة، في حال دخول تقنيّات بلوك تشين إلى هذا المجال، سيصبح من الممكن إنشاء منصّة صحفيّة بنموذج لامركزي لحلّ هذه المشاكل.
يعتبر مشروع Civil من أبرز التطبيقات التي من شأنها أن تغيّر مجال الصحافة بمساعدة بلوك تشين، حيث أنّه يهدف لإعطاء الصحفيّين مساحة أكبر للتعبير عن رأيهم مع تحقيق معايير شفافيّة وموثوقيّة عالية، وذلك من خلال جعل التواصل بينهم وبين القرّاء تتم بشكل مباشر دون الحاجة لتواجد أطراف ثالثة قد تؤثّر على مصداقيّة الأخبار والتقارير المنشورة، بالإضافة إلى إنشاء نظام تمويل مستقلّ لدعم المجال والعاملين فيه بأفضل شكل ممكن.
تقليل الحاجة لأنظمة العمل المركزيّة
في مقابلة منذ عام 2015 مع Vitalik Buterin مؤسس منصّة إيثيريوم، أشار إلى أنّ أنظمة العمل الحاليّة تتمثّل بأتمتة وإدارة العمّال لجعلهم يقومون بواجباتهم، في حين أنّ بلوك تشين تعتمد على إلغاء السلطة المركزيّة في هذا المجال، فبدلاً من تسريح سائق التكسي من عمله نتيجة ظروف معيّنة، يتمّ التخلّص من الشركة المسؤولة عن إدارة هذا العمل مثل Uber مثلاً، وبنفس الوقت يصبح السائقون قادرين على التواصل بشكل مباشر مع الزبائن من خلال بلوك تشين.
بالطبع فإنّ تطبيق هذه الفكرة ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى سنوات من التطوير والعمل حتى يصبح واسع الانتشار، ولكن في الوقت الحالي تعتبر منصّة DAV من أبرز الأمثلة على ذلك، حيث أنّها تتيح لأيّ أحد بيع وشراء خدمات النقل ضمن سوق لامركزي، وذلك من خلال دعمها للعمل مع السيارات والشاحنات والسفن بعيداً عن السيطرة الحاليّة التي تفرضها الشركات الرائدة في هذه المجالات.
حماية بيانات المستخدمين
لا شكّ أنّ قضايا الخصوصيّة وبيانات المستخدمين تعتبر من أبرز الجوانب التي تُقلق الجميع اليوم، خاصّة بعد تكررّ الفضائح والتسريبات المرتبطة بقيام بعض الشركات والخدمات باستخدام بيانات المستخدمين بشكل سيئ. بالنسبة لتقنيّة بلوك تشين وفعاليّتها الكبيرة في الحفاظ على سريّة وأمان بيانات المستخدمين، من الممكن أن تغيّر مجال إدارة البيانات للأبد في حال تطبيقها بشكل واسع بحيث تصبح هي الخيار الأوّل لتخزين البيانات بشكل يجعل الشركات غير قادرة على التصرّف بها دون علمهم.
بالنسبة للوقت الحالي فما يزال الوقت مبكراً أمام تنفيذ إجراءات مماثلة للحد من تعامل الشركات مع بيانات مستخدميها، حيث أنّ المشاريع التي تعمل على هذا المجال ما زالت قليلة، وأبرز مثال عليها هو منصّة Enigma التي تهدف لإعطاء المستخدمين تحكّماً أكبر ببياناتهم الشخصيّة لمنع الشركات من إساءة استخدامهم.
تعقّب تبرّعات الجمعيّات الخيريّة
الكثير من المتبرّعين اليوم فقدوا ثقتهم في الجمعيّات الخيريّة والنظام الذي يتمّ من خلاله إدارة تلك التبرّعات، حيث أن مشاكل الاختلاس والسرقة والفساد أصبحت أكثر مما كان عليه الحال في السابق، ولكن مع تقنيّة بلوك تشين من الممكن أن يتغيّر هذا الوضع بشكل كامل، وذلك بسبب فعاليّتها في تعقّب النشاطات التي تتمّ من خلالها وصعوبة التغيير أو التعديل عليها، وبذلك يصبح المتبرّعون قادرين على تتبّع الأموال التي قاموا بدفعها لمعرفة وجهتها الفعليّة مما يعيد الثقة لهذه الأنظمة من جديد.
فتح مجال أكبر أمام نمو المشاريع الناشئة في الدول النامية
تعاني المشاريع الناشئة اليوم من صعوبات كثيرة عندما يأتي الأمر للحصول على تمويل أو سحب قرض ما، وذلك بسبب القيود الكثيرة التي تفرضها البنوك خاصّة ضمن الدول النامية التي لا تتيح خيارات للتمويل بغير الطرق التقليديّة، بالإضافة إلى معدّلات الفائدة العالية التي يتمّ فرضها على تلك المشاريع بسبب كون احتماليّة تخلّفهم عن الدفع تعتبر أكبر.
لحلّ هذه المشكلة تم إنشاء مشروع Ethichub الذي يعمل وفق تقنيّة بلوك تشين، حيث يهدف لفتح المجال بشكل أكبر لهذه المشاريع والشركات الصغيرة للحصول على الديون بشكل أسهل وبمعدّلات فائدة مقبولة، وبالتالي المساهمة في النموّ الاقتصادي للبلدان التي تضمّ هذه المشاريع والشركات.
زيادة كفاءة الطاقة
تعتمد تقنيّة بلوك تشين بشكل عام على تقليل عدد الوسطاء والأطراف الثالثة في العديد من المجالات، وبالتالي فهي ستساهم في تبسيط العمليّات وزيادة الكفاءة التشغيليّة في النهاية، وقد بدأت بعض المشاريع بالاستفادة من الحرارة الناتجة عن معدّات التعدين من أجل تدفئة المنازل ومزارع الأسماك والنباتات حتّى، بالإضافة إلى مشاريع أخرى مثل Power Ledger الذي يعمل وفق بلوك تشين ويتيح للمستخدمين إمكانيّة اختيار مصدر الطاقة الكهربائيّة الذي يرغبون به والحصول عليها بتكاليف منخفضة نسبياً.
مساعدة الفقراء والمحتاجين
بحسب تقديرات البنك الدولي من عام 2017 فإنّ أكثر من مليار شخص حول العالم لا يمكنهم إثبات هويّتهم بشكل رسمي، وهو ما يعدّ أمراً ضرورياً للحصول على خدمات أساسيّة مثل الرعاية الصحيّة والتعليم، وهنا تأتي أهميّة بلوك تشين في تأمين هويّات رقميّة وتسهيل هذه العمليّة للجميع، بحيث يصبح لديهم سجلّات رسميّة أو شبه رسميّة بشكل يساعدهم أيضاً على بناء تاريخ ائتماني من أجل القدرة على الاقتراض من البنوك في المستقبل.
الحفاظ على الديمقراطيّة والتأكيد على الشفافيّة
من الممكن أن تساعد تقنيّات بلوك تشين بشكل كبير في هذا المجال، وذلك من خلال أنظمة العقود الذكيّة ومنصّات التصويت الرقمي بشكل يجعل هذه العمليّات أكثر شفافيّة ويعزز ثقة المواطنين بالحكومات، كما من الممكن أن تساهم في إنشاء نظام ضريبي يسمح بتعقّب ضرائب المواطنين لمعرفة أين تذهب تلك الأموال بشكل مفصّل، مما يقلّل من حالات الفساد والسرقة المرتبطة بهذه المجالات، وتعتبر منصّة VoteWatcher من أبرز المشاريع المهتمّة بهذا المجال، حيث أنّها تهدف لجعل عمليّة التصويت أكثر فعالية وموثوقيّة بالاعتماد على بلوك تشين لمنع حالات الغشّ والتلاعب.
