كيف كان الصحابة يستقبلون رمضان

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  ١١:٤٤ ، ١٢ أكتوبر ٢٠٢٠
كيف كان الصحابة يستقبلون رمضان

شهر رمضان موسم الطاعات

جعل الله -تعالى- لبعض الشهور فضلاً على غيرها، إذ قال -تعالى-: (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)،[1] وقال أيضاً: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)،[2] كما أنّه فضّل بعض الأيّام والليالي على بعضها الآخر، وعدّ ليلة القدر خيراً من ألف شهرٍ، إذ قال: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)،[3] وأقسم بالعَشْر الأولى من ذي الحِجّة، فقال: (وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ)،[4] ويجدر بالمسلم اغتنام المواسم التي فضّلها الله -تعالى- بالعبادات والطاعات التي تُقرّبه منه، وينال بها رحمته ورضاه.[5]

استقبال الصحابة لشهر رمضان

ضرب الصحابة -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة في استقبالهم لشهر رمضان، وقد جاءتْ كثير من الروايات تصف أحوالهم مع شهر الصيام، وتقلّبهم في الطاعات، وفيما يأتي وقفات عاجلة مع بعض تلك المشاهد:

  • تبشير النبيّ بدخول رمضان: كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يُبشّر الصحابة -رضي الله عنهم- بمجيء شهر رمضان، وقد رُوي في ذلك عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ كان يُبشّر أصحابه بقدوم رمضان، فيقول: (أتاكُم رَمضانُ شَهرٌ مبارَك، فرَضَ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ عليكُم صيامَه، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ، وتغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ، للَّهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ).[6]7

  • تحرّي الهلال: كان الصحابة -رضي الله عنهم- يتراءون هلال شهر رمضان، فيخرجون في الليل؛ أملاً في رؤيته؛ إذ النفوس مُشتاقةٌ إليه، والقلوب مُقبلةٌ عليه، وتحرّي الهلال يكون من باب الشوق إلى شهر رمضان، وهو من السُّنَن الواردة عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.[8]

  • قضاء الصيام: فمن باب الاستعداد لشهر رمضان أن يقضي المسلم ما أفطره من رمضان السابق قبل قدوم رمضان التالي، وقد ذكرت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها كانت تقضي ما عليها في شهر شعبان، إذ أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه أنّها قالت: (كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أسْتَطِيعُ أنْ أقْضِيَ إلَّا في شَعْبَانَ).[9][10]

  • الدعاء: كان الصحابة -رضي الله عنهم- يحرصون أشدّ الحرص على الاستعداد لشهر رمضان استعداداً حقيقيّاً؛ فيتوجّهون إلى الله بالدعاء ستّة أشهرٍ أن يُبلّغهم الله رمضان، ثمّ يدعونه ستّة أشهرٍ أخرى أن يتقبّل منهم صيامهم، وطاعاتهم، وعباداتهم، فبذلك يكون العام لديهم كأنّه كلّه شهر رمضان،[11] ومن الأدعية الواردة عن الصحابة في الاستعداد لشهر رمضان ما كان يدعو به عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- قائلاً: (اللهمَّ زِدْنا ولا تَُنقُِصْنا وأَكرِمْنا ولا تُهِنَّا وأَعطِنا ولا تَحرِمْنا وآثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا وارضَ عنَّا وأَرضِنا)،[12] وما كان من دعاء أُسيد بن أبي طالب؛ إذ كان يدعو: (اللهمَّ أحسنْ عاقبتَنَا في الأمورِ كلِّها، وأجرْنَا منْ خِزْيِ الدنْيَا وعذابِ الآخرةِ)،[13] بالإضافة إلى دعاء الحسين بن علي -رضي الله عنهما-: (اللَّهمَّ اهدِنا فيمَنْ هدَيْتَ وعافِنا فيمَنْ عافَيْتَ وتولَّنا فيمَنْ تولَّيْتَ وبارِكْ لنا فيما أعطَيْتَ وقِنا شرَّ ما قضَيْتَ إنَّك تَقضي ولا يُقضَى عليكَ إنَّه لا يذِلُّ مَن والَيْتَ تبارَكْتَ وتعالَيْتَ).[14][15]

  • الإكثار من الصيام في شعبان: إذ يُعَدّ شهر شعبان مُقدِّمةً لشهر رمضان، يُشرَع فيه ما يُشرَع في شهر رمضان؛ من صيامٍ، وقراءةٍ للقرآن، وغير ذلك من العبادات؛ ويكون ذلك من باب التأهُّب والاستعداد لشهر رمضان، وتعويد النفس على طاعة الله -تعالى-،[16] وقد كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يُكثر من الصيام في شعبان؛ وقِيل إنّ ذلك لغفلة الناس عن الصيام فيه، وقال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عن صيامه في شعبان: (ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ)،[17][18] كما كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والسلف الصالح يستعدّون لشهر رمضان بالأعمال الصالحة، إضافةً إلى الدعاء، إذ أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (لَمْ يَكُنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أكْثَرَ مِن شَعْبَانَ)،[19][20] ومن الأمثلة في ذلك ما رُوِي عن لؤلؤة مولاة عمّار بن ياسر؛ إذ ذكرت أنّه كان يستعدّ لصيام شهر شعبان كما يستعدّ لصيام رمضان.[21]

  • التوبة النصوح: فلا بُدّ للعبد من أن يُحاسب نفسه دائماً، ويُقبل على ربّه -عزّ وجلّ- بالتوبة والإنابة، ثمّ يحافظ على توبته ويثبت عليها، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)؛[22] فقد أمر الله -تعالى- عباده بالنظر إلى ما قدّموه من أعمالٍ، ومحاسبة أنفسهم، ممّا يقتضي الاستعداد الكامل ليوم الحساب، وتقديم ما يكون سبباً لنجاتهم من العذاب؛ لملاقاة الله بما قدّموه من أعمالٍ حَسنةٍ،[23] وقال الزّبير بن بكّار أنّ سهيل كان يُكثر من الصيام، والصلاة، والصدقة، وقِيل إنّه كان يصوم ويتهجّد في الليل حتى يتغيّر لونه، كما كان يُكثر من البكاء عند سماع القرآن.[24]

  • الإكثار من قراءة القرآن: ذكر سلمة بن كهيل أنّ شهر شعبان شهر القُرّاء، وكان حبيب بن أبي ثابت يقول في بداية شهر شعبان: "هذا شهر القُرّاء"، وكان عمرو بن قيس يُفرّغ نفسه لقراءة القرآن،[25] وكان زُبيد اليامي يجمع الصحابة -رضي الله عنهم-؛ يتنافسون في تلاوة القرآن الكريم، وخَتْمه أكثر من مرّةٍ.[8]

  • الإكثار من النوافل: حَرِص السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- على أداء النوافل من العبادات، وصيام التطوُّع،[26] وقد أشار الإمام الشاطبيّ في كتاب الموافقات إلى أنّ النوافل والسُّنَن تُعدّ تمهيداً للدخول في الفرائض، وإتمامها على الوجه الذي يُرضي الله.[27]

  • الإيثار: كان الكثير من السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يؤثرون غيرهم بالإفطار في رمضان، مثل: عبدالله بن عمر، وداود الطائي، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، كما كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يُفطر إلّا مع المساكين، واليتامى.[28]

  • قيام الليل: ومن الأمثلة المشهورة في ذلك قيام عثمان بن عفان -رضي الله عنه-؛ إذ كان يقرأ القرآن كاملاً في ليلةٍ واحدةٍ.[29]

  • إدراك أهمّية شهر رمضان: فلا بُدّ للمسلم من أن يدرك أهمّية الاستعداد لشهر رمضان في شهر رجب وشهر شعبان، واستشعار أهمّية العبادات والطاعات[30] بمختلف أنواعها؛ إذ إنّها تُحقّق القُرب من الله، قال أحد السَّلَف: "الصلاة تُوصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يُوصله إلى باب الملك، والصدقةُ تأخذُ بيده، فتدخلهُ على الملك".[31]

  • الجود والكرم: فالسخاء والجود من أسباب تحقيق الحياة الطيّبة، ويُجازى العبد بسببه خيراً وحُسناً، مع الإشارة إلى أنّ العطاء لا يتوقّف على المال فحسب، بل إنّه أعمّ وأشمل من ذلك، وممّا يُروى عن السَّلَف في ذلك ما عُرِف به قيس بن سعد بن عبادة من الجود؛ إذ مَرِضَ ذات يومٍ، فتأخّر الناس في زيارته، وحين سأل عن ذلك، أخبروه بأنّهم يخجلون منه؛ لِما عليهم من دُيونٍ، فأمر مُنادٍ بأن يُنادي ويُعلِمَهم بأنّه سامحهم.[32]

  • إتقان العمل: كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يحرصون على إتقان العمل، كما كانوا يحثّون الناس عليه؛ فالعمل القليل المُتقَن خيرٌ من الكثير غير المُتقَن، وفي ذلك رُوِي عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنّ صلاة ركعتَين في خشوعٍ وتفكُّرٍ أفضل من قيام الليل كلّه دون تفكُّرٍ وتأمُّلٍ،[33] ويُشار إلى أنّ أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كانت تُلازم العمل إلى أن تُتقنَه.[34]

  • الخُلوة مع الله: فشهر رمضان شهر الروحانيّة، والتوجُّه إلى الله -تعالى-، والأحرى بالمسلم أنْ يجتهد ما أمكنه ذلك بالخلوة مع الله عزّ وجلّ في أيام الشهر المباركة، حتى أنّه أُثِر عن بعض السّلف أنّهم كانوا يودّعون بعضهم في أيام رمضان بسبب انشغالهم بأعمال الاعتكاف والذّكر والقيام.[35]

  • إطعام الطعام: فذلك من أعظم أبواب الخير، وقد حثّ عليه النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وكان عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول: "لأن أجمع ناساً من أصحابي على صاعٍ من طعامٍ، أحبّ إلي من أن أخرج إلى السوق فأشتري نسمة فأعتقها".[36]

  • سلامة الصدر: فالجدير بالمسلم الإقبال على الله وحده في شهر رمضان، والانشغال به وحده، أمّا الشحناء والبغضاء بين الناس فهي تُؤدّي إلى عدّة آثارٍ سيّئةٍ؛ فهي من أسباب عدم قبول الله -سبحانه وتعالى- لأعمال العباد، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَومَ الإثْنَيْنِ، ويَومَ الخَمِيسِ، فيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا، إلَّا رَجُلًا كانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ، فيُقالُ: أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا، أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا، أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا. وقالَ قُتَيْبَةُ: إلَّا المُهْتَجِرَيْنِ)؛[37][38] فعلى المسلم أن يستقبل شهر رمضان بنفسٍ نقيّةٍ خاليةٍ من البغضاء والشحناء، ومُمتثلةٍ للأخلاق الحَسَنة التي حَثّ عليها الإسلام؛ من صِلة الأرحام، وبَذل الخير والمعروف، وتبادل الزيارات الطيّبة، والبشاشة في وجوه الآخرين.[8]

كيفيّة الاستعداد لاستقبال رمضان

يجدر بالمسلم الاستعداد لشهر رمضان قبل دخوله؛ فبلوغ شهر رمضان بحَدّ ذاته من نِعم الله -تعالى- على عباده، والله لا يردّ عبده المُقبل عليه، والراغب بالتقرُّب منه، يُؤيّد ذلك ما رُوِي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (كان رجلانِ من بَلِيٍّ حَيٍّ من قُضاعةَ أسلَما مع النبيِّ صلَى اللهُ عَليهِ وسلمَ، واستُشهد أحدُهما، وأُخِّر الآخَرُ سَنَةً، قال طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ: فأُريتُ الجَنَّةَ، فرأيْتُ المؤخَّرَ منهما، أُدخل قبل الشهيدِ، فتعجبتُ لذلك، فأصبحْتُ، فذكرْتُ ذلكَ لِلنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أو ذُكر ذلِك لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أليسَ قد صام بعدَه رمضانَ، وصلى ستةَ آلافِ ركعةٍ، أو كذا وكذا ركعةً صلاةَ السَّنَةِ)،[39][11] ومن الأمور التي تدلّل على استعداد المسلم لشهر رمضان، والرغبة في الأعمال الصالحة والقربات فيه ما يأتي:[40]

  • الحَمْد والشُّكر: فالتوفيق إلى أداء العبادات والطاعات من أعظم النِّعم التي يَمُنّ بها الله على عباده؛ ولذلك وجب عليهم شُكْره عليها، قال الإمام النوويّ -رحمه الله- في ذلك: "اعلم أنّه يستحبّ لمن تجدّدت له نعمةٌ ظاهرةٌ ، أو اندفعت عنه نقمةٌ ظاهرةٌ، أن يسجد شُكراً لله -تعالى-، وأن يحمد الله -تعالى-، أو يُثني عليه بما هو أهله"، كما أنّ الشُّكر من أسباب زيادة النِّعَم، قال -تعالى-: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ).[41]

  • التخطيط والتنظيم: فلا بُدّ من الحرص على استغلال رمضان، وتنظيم الوقت؛ لأداء أكبر قَدْرٍ ممكنٍ من العبادات، وتحديد وقتٍ لكلٍّ منها، كقراءة القرآن، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وتجهيز إفطارٍ للصائمين، والمساعدة في أعمال المسجد، وغير ذلك من أعمال البِرّ والخير.

  • العزم على اغتنام شهر رمضان: وذلك بعَقْد النيّة الصادقة على الطاعة والعبادة في شهر رمضان.

  • الاستعداد النفسيّ والروحيّ: ويكون ذلك بالاطِّلاع على فضائل الصيام، وما يترتّب عليه من الأُجور العظيمة، وبذلك يرغب العبد في نَيْل تلك الفضائل والأُجور، فيُقبِل على الأعمال التي تُقرّبه من خالقه، وتُقرّبه منها.

المراجع