مزدلفة المَشعَر الحرام
الحَجّ من أركان الإسلام الخمس، ويتكوّن من مناسكَ وشعائرَ مُحدَّدةٍ، ومن تلك المناسك: توجُّه الحُجّاج إلى مُزدلفة التي تُعَدّ المَشعَر الحرام باتِّفاق جمهور أهل العِلم؛ من المُفسِّرين، والمُحدِّثين، والفقهاء، إلّا أنّ الإمام النووّي خالفهم في ذلك؛ فقال إنّ مزدلفة هي جبل قُزح الواقع في مُزدلفة،
وتُعَدّ مُزدلفة مَشعَراً من المشاعر المُقدَّسة التي يتوجّه إليها الحُجّاج بعد الوقوف بعرفة، ويقع بينهما وادي عُرَنَة؛ وهو من أودية مكّة المكرّمة، ولا يُعَدّ من مَشعَر مزدلفة، ولا من مَشعَر عرفة؛ إذ ورد عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (عرَفَةُ كُلُّها مَوقِفٌ، وارتَفِعُوا عن بطْنِ عُرَنَةَ، ومُزدلِفَةُ كلُّها مَوقِفٌ، وارتفِعُوا عن بَطْنِ مُحَسِّرٍ، ومِنًى كلُّها مَنْحَرٌ)،
سبب تسمية مُزدلفة بهذا الاسم
سُمِّيَت مزدلفة بهذا الاسم؛ لأنّها تدلّ على الازدلاف؛ أي الاجتماع؛ فمزدلفة تعني التجمُّع والالتقاء، ومن ذلك قَوْل الله -تعالى-: (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ)،
- المَشعَر الحرام: كما ورد في قَوْله -تعالى-: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)،
[2] والمَشعَر الحرام هو جميع مزدلفة، ويُسَنّ الوقوف في أيّ مَوضعٍ من مُزدلفة، واستقبال القبلة، وذِكْر الله. - جَمعٌ: لِما ورد عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (نحرتُ ها هنا، ومِنًى كلُّها مَنْحَرٌ، فانْحَروا في رحالِكُم، ووقفْتُ ها هنا، وعَرَفَةُ كلُّها موقِفٌ، و وقفْتُ ها هنا، وجمْعٌ كلُّها موقِفٌ)،
[13] وسُمِّيت جَمعٌ؛ لأنّ الحُجّاج يجمعون الصلاة فيها، وقِيل: لأنّ الحُجّاج يزدلفون؛ أي يتقرّبون إلى الله -سبحانه- فيها -كما ذُكِر سابقاً-.
أحكامٌ مُتعلِّقةٌ بمُزدلفة
المَبيت بمُزدلفة
اختلف العلماء فيما يتعلّق بالمَبيت بمُزدلفة؛ فقال المالكيّة بنُدب المَبيت فيها، وعلى الحُجّاج حضورها، والنزول فيها، ولو بقَدْر وَضع المَتاع، وإن ترك الحاجّ المَبيت، أو النزول فيها قبل طلوع الفجر بلا عُذرٍ، وَجَبت الفِدية عليه، ويكون الحضور والمَبيت في مزدلفة بأيّ مكانٍ منها؛ لقَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ومُزْدَلِفَةُ كلُّها موقفٌ)،
واتّفق العلماء على أنّ مَن ترك المَبيت بمُزدلفة بلا عُذرٍ أو سببٍ، وجبت عليه الفِدية، بخِلاف من ترك المَبيت بعذرٍ، كمن فيه ضعفٌ، أو مرضٌ، أو مَن انشغل بالمصالح العامّة في الحَجّ؛ من خدمةٍ، وسقايةٍ، وغير ذلك؛ بدليل ما ورد عن الرسول -عليه الصلاة السلام-: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أرخصَ لرعاءِ الإبلِ في البيتوتةِ، خارجين عن مِنىً، يرمونَ يومَ النحرِ، ثم يرمون الغدَ، ومن بعدِ الغدِ ليومينِ، ثم يرمونَ يومَ النَّفْرِ)،
حُكم الجَمع والقَصر في مُزدلفة
اتّفق العلماء على أنّه يُسَنّ للحاجّ جَمع وقَصْر صلاتَي المغرب والعشاء في مُزدلفة، إلّا أنّهم اختلفوا في حُكم مَن كان قد صلّى المغرب قبل وصوله إلى مُزدلفة؛ فذهب جمهور العلماء من المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، وأبي يوسف من الحنفيّة إلى القول بجواز الفصل بين الصلاتَين كما جاز الجَمع بينهما، إلّا أنّ ذلك مُخالفٌ لسُنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وقال الحنفيّة بوجوب تأخير صلاة المغرب، وأدائها في مُزدلفة.
وقت الدَّفع من مزدلفة
يتوجّه الحجّاج من مُزدلفة إلى مِنى؛ لرَمْي الجِمار قبل طلوع شمس يوم النَّحر؛ لِما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (حتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بهَا المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بأَذَانٍ وَاحِدٍ وإقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بيْنَهُما شيئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَصَلَّى الفَجْرَ، حِينَ تَبَيَّنَ له الصُّبْحُ، بأَذَانٍ وإقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ، حتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ)،
المراجع
- 1 - محمد ساعي (2007م)، <i> " موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي " , (الطبعة الثانية)، مصر: دار السلام للطباعة والنشر والتو , محمد ساعي (2007م)، .
- 2 - سورة البقرة، آية: 198. .
- 3 - محمد العثيمين، <i> " تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة " , ، صفحة 49، جزء 4 , محمد العثيمين، .
- 4 - رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4006، صحيح. .
- 5 - ملتقى أهل الحديث، <i> " أرشيف ملتقى أهل الحديث " , ، صفحة 231، جزء 87 , ملتقى أهل الحديث، .
- 6 - الفصل الثَّاني: حدُّ المُزدلِفةِ , www.dorar.net , 20-4-2020. بتصرّف. .
- 7 - سورة الشعراء، آية: 64. .
- 8 - سورة الشعراء، آية: 90. .
- 9 - أبو الحسن البغدادي (1999م)، <i> " الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي " , (الطبعة الأولى)، بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة , أبو الحسن البغدادي (1999م)، .
- 10 - محيي الدين النووي، <i> " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج " , (الطبعة الثانية)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة , محيي الدين النووي، .
- 11 - مجموعة من الباحثين، <i> " الموسوعة الفقهية " , ، على الإنترنت: موقع الدرر السنية، صفحة 248، جزء 2 , مجموعة من الباحثين، .
- 12 - صالح المغامسي، <i> " أعلام القرآن " , ، صفحة 16، جزء 2 , صالح المغامسي، .
- 13 - رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 6748، صحيح. .
- 14 - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1404 - 1427ه)، <i> " الموسوعة الفقهية الكويتية " , (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة ، صفحة 95-96، جزء 37 , وزارة الأوقاف والشؤون الإس .
- 15 - رواه الترمذي، في مختصر الأحكام، عن عاصم بن عدي، الصفحة أو الرقم: 4/229، صحيح. .
- 16 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1315، صحيح. .
- 17 - الفصل الرابع: حُكْمُ مَن فاتَه المبيتُ الواجِبُ في مُزْدَلِفةَ , www.dorar.net , 20-4-2020. بتصرّف. .
- 18 - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، <i> " الموسوعة الفقهية الكويتية " , (الطبعة الثانية)، صفحة 328-329، جزء 45 , وزارة الأوقاف والشؤون الإس .
- 19 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 1218، صحيح. .
- 20 - محمد التويجري (2010م)، <i> " مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة " , (الطبعة الحادية عشرة)، المملكة العربية السعودية: دار أ , محمد التويجري (2010م)، .