الجزاء والعقاب في الإسلام
يُجازى الإنسان عن كلّ فعلٍ يصدر عنه؛ فإن فعل خيراً فإنّه يُجزى خيراً، وإن فعل شرّاً فإنّه يُجزى بمثله، يقول الله تبارك وتعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)،
تعريف الأغاني
الغناء من الصّوت: هو ما طُرِب به من الصّوت، قال حميد بن ثور:
- عجبْتُ لها أنَّى يكون غناؤها
- فصيحاً، ولم تفغَرْ بمنطِقِها فما
وقد غنَّى بالشِّعر، وتغنَّى به، فقال:
- تغنَّ بالشِّعر، إمّا كُنْتَ قائِله،
- إنّ الغناءَ بهذا الشِّعر مضمارُ
عِقاب سماع الأغاني
مِن عقاب سماع الأغاني العذاب المهين في الآخرة، والدّليل عليه ما جاء في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)،
وهناك من يستشهِد ويستدلّ ويستند إلى رواية تُروى على أنّها حديث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-ونصّه: (مَنْ جلسَ إلى قينةٍ، صُبَّ في أُذُنِه الآنُكُ يومَ القيامةِ)،
حُكم الأغاني
إنّ الأغاني التي تُستخدَم معها آلات العزف الموسيقيّ حرامٌ مُطلقاً، ولا يحلّ سماعها أبداً، وقد رُوِي عن الصحابيّ الجليل عبد الله بن مسعود أنّه أقسم ثلاثاً أنّ آية لقمان الواردة في قوله سبحانه وتعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)،
وإذا كان الغناء دون مرافقة المعازف والآلات الموسيقيّة، ولم تكن كلماته بذيئةً أو سيّئةً بل كانت ثناءً على الإسلام والمسلمين، وكانت كلماته تدعو إلى الحماسة، والبطولة، ومكارم الأخلاق، ونحو ذلك؛ فالغناء الذي صفته هكذا يُعدّ من النّشيد الذي هو سُنّة، وقد استعمله النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والصّحابة الكِرام أثناء حفر الخندق وبناء المسجد، وأنشدوا في الغزوات، وكلّ ذلك بمشاركة الرّسول وتحت سمْعه وبصره، ولو لم يكن جائِزاً لما فعله النبيّ الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- ولما أقرّه، ومثل هذا النّشيد لا حرجَ في سماعه.
وقد جاء عن عامر بن سعد أنّه قال:(دَخَلْتُ على قُرَظَةَ بنِ كَعْبٍ، وأبي مسعودٍ الأنصارِيِّ في عُرْسٍ؛ وإذا جَوَارٍ يُغَنِّينَ، فقلتُ: أَيْ صاحِبَيْ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وأهلَ بَدْرٍ! يُفْعَلُ هذا عندَكم؟! فقالا: اجلس -إن شِئْتَ- فاسْمَعْ مَعَنا، وإن شِئْتَ فاذْهَبْ؛ فإنه قد رُخِّصَ لنا في اللَّهْوِ عند العُرْسِ).
أنواع الأغاني وحُكمها
عند استقراء حُكم الغناء في الشّريعة الإسلاميّة فلا بُدّ قبل الخوض في حُكم الغناء من التّمييز بين الغناء وأنواعه ابتداءً؛ فالغناء أنواع، ولكلّ نوعٍ حُكم، فيما يأتي بيان ذلك:
الغناء الذي تُصاحبه آلة عَزف ولَهوٍ
يُعدّ الغناء الذي تُصاحبه آلة عزفٍ ولهوٍ غناءً مُحرَّماً؛ فيحرُم سماعه من الرّجال والنّساء بالإجماع، وقد نَقل الإجماع على تحريم سماع آلات العزف -باستثناء الدّف- جماعة من العلماء، مثل: ابن الصّلاح، والإمام القرطبيّ، وابن القيّم، وابن حجر الهيتميّ، وابن رجب الحنبليّ، وأبي الطيّب الطبريّ، حيث قال الإمام القرطبيّ: (أمّا المزامير والأوتار والكوبة جميعها آلات موسيقيّة، فلا يُختلَف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممّن يعتبر قوله من السّلف وأئمّة الخلف مَن يُبيح ذلك، وكيف لا يحرُم وهو شِعار أهل الخُمور والفُسق، ومُهيّج الشّهوات والفَساد والمُجون! وما كان كذلك لم يُشَكَّ في تحريمه، ولا تفسيقِ فاعله وتأثيمه).
وقد دلّت على ذلك نصوص من الكِتاب والسُّنة، فمن ذلك حديث أبي مالك الأشعريّ -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ليكونَنَّ من أُمَّتي أقوامٌ، يستحِلُّونَ الحِرَ والحريرَ، والخمرَ والمعازِفَ، ولينزلَنَّ أقوامٌ إلى جنبِ عَلَمٍ، يروحُ عليهم بسارحةٍ لهم، يأتيهِم - يعني الفقيرَ- لِحاجةٍ، فيقولوا: ارجِع إلينا غداً، فيبيِّتُهمُ اللَّهُ، ويضَعُ العَلَمَ، ويمسخُ آخرينَ قِرَدةً وخنازيرَ إلى يومِ القيامَةِ)،
وأمّا قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- (يستحلّون)؛ فهو من أقوى الأدلّة على تحريم المعازف، وأنّها مُحرَّمة، فلو كانت آلات اللّهو والمعازف حلالاً لما احتاج أن يقول يستحِلّونها؛ فالحلال لا يُستحَلّ؛ لأنّه حلال أصلاً، وإنّما يُستحَلّ الحرام، فدلّ ذلك على تحريم المعازف، ومن ناحية أخرى يُستدَلّ على تحريم المعازف بدلالة الاقتران الموجودة في الحديث، والتي تفيد التّحريم؛ فاقتران المعازف مع جُملة من المُحرَّمات، مثل: الخمر، والحرير، والحِر: أي الزّنا، وهي مُحرَّمَة تحريماً قطعيّاً بالنّص والإجماع، يدلّ بدلالة الاقتران بالمحرّمات على تحريم المعازف.
ومن أهمّ الأدلة على تحريم الغناء قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)،
الغناء دون مصاحبة المعازف وآلات اللّهو والموسيقى
الغناء الذي لا يُصاحب المعازف وآلات الموسيقى واللّهو، نوعان:
- النّوع الأوّل: غناء النّساء للرّجال، أو غناء امرأةٍ للرّجال، فهذا الغناء حرامٌ قطعاً، فإن غنّت المرأة في حضرة النساء بكلام طيّبٍ حسَن، في مناسبة كعيد أو عُرس جازَ ذلك.
- النّوع الثاني: غِناء الرّجل، شرطَ أن يكون الكلام المُستخدَم في الغناء طيِّباً وحسناً، يدعو إلى الفضيلة والخير، فهذا الغناء الطيّب أباحته جماعة من العلماء، وقال آخرون بكراهتِهِ، خاصّةً إن كان بأُجرة.
وأمّا إن كان الغناء بكلامٍ قبيحٍ أو يدعو إلى الرّذيلة، أو فيه تَغَنٍّ ووصفٌ للنّساء أو الخَمر فهو غناءٌ مُحرَّم؛ لِما فيه من خُبث الكلام ورذيله، والاستماع إلى الكلام المباح مُباح، أمّا الاستماع إلى الكلام الخبيث المُحرَّم فهو مُحرَّم.
المراجع
- 1 - سورة الزّلزلة، آية: 7-8. .
- 2 - محمد صالح المنجد (25-12-2006م)، " السيئات قد تُحبِطُ الحسنات " , الإسلام سؤال وجواب , محمد صالح المنجد (25-12-2006م)، .
- 3 - لسان العرب , (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة: 139، جزء: 15 , محمد بن مكرم بن علي، أبو ال .
- 4 - سورة لقمان، آية: 6. .
- 6 - رواه أحمد بن حنبل، في العِلل المُتناهية، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2/786، باطل. .
- 7 - مجموعة، " نتائج البحث عن نص من جلس إلى قينة " , الدّرر السنيّة , مجموعة، .
- 8 - محمد الحسن الددو الشنقيطي (8 رمضان 1429 (8/9/2008))، " ما حُكم سماع الأغاني؟ " , طريق الإسلام , محمد الحسن الددو الشنقيطي ( .
- 9 - رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن أبي مسعود البدري وقرظة بن كعب، الصفحة أو الرقم: 3094، إسناده صحيح. .
- 10 - الزواجر عن اقتراف الكبائر , (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة: 337، جزء: 2 , أحمد بن محمد بن علي بن حجر ا .
- 11 - أنواع الغناء وحكم كل نوع , إسلام ويب , فريق من طلبة العلم الشرعيّ .
- 12 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم: 5590، مُعلّق. .