علم النَّحو العربيّ
شاع بين عامة الناس وبين الدارسين أيضاً أنّ اللغة العربيّة لغة صعبة، وأنّ قواعدها النحويّة ليست سهلة للفهم، إلا أنّ ما شِيعَ عنها دليلٌ على جهل مَن اتّهموها بذلك، وظلمٌ بحقها، فالنَّحو العربيّ في حقيقة الأمر ليس كما شِيعَ عنه، وهو ليس صعباً ولا مُعقَّداً، بل هو كالعلوم واللغات كافّة، يجب أن يُدرَس دراسة جادّة مَبنيّة على أسس وقواعد مُحدَّدة. ويتميَّز النَّحو العربيّ بقواعده الثابتة والراسخة؛ ممّا يجعله سهلاً عند الدراسة، وسهلاً للفهم أيضاً.
ويبحث النحو في أصول تكوين الجملة، وقواعد الإعراب،
نشأة علم النَّحو العربيّ
بعد أن انتشرت الفتوحات الإسلاميّة وكثرت في العصر الأمويّ، وأصبحت اللغة العربيّة هي الأولى بالنسبة إلى الشعوب الإسلاميّة، ظهرَ اللَّحْن والخطأ على ألسنة الشعوب، وضَعُفَت سليقة العَرَب؛ نتيجة اختلاط الشعوب العربيّة والمُسلِمة بغيرها، فكان لا بُدّ من وجود مَن يسعى للحفاظ على لغة القرآن والسنّة الشريفة، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى ضَبْط الكلمات، وكان أبو الأسود الدُّؤلي على الأرجح هو أوّل مَن ابتدع طريقة فريدة لضَبْط الكلمات في القرآن الكريم، فكان يضع نقطة بلون مُخالِف للون الكتابة فوق الحَرف؛ ليدلَّ على الفتحة، ونقطة أسفل الحَرف؛ ليدلَّ على الكسرة، ونقطة عن شمال الحَرف؛ ليدلَّ على الضمّة، ونقطتين فوق الحَرف أو أسفله، أو عن شماله؛ ليدلَّ على التنوين؛ وللدلالة على سكون الحرف، تَرَك الحَرف خالياً من النقط، وبهذا كان أبو الأسود الدُّؤلي هو أوّل من نَقَّط المُصحَف بالحركات، أي أوّل من وَضعَ علم النَّحو، وقِيلَ أيضاً بأنّ أوّل من وَضَع علم النَّحو هو الخليل بن أحمد الفراهيديّ، وقيل أيضاً بأنّه علي بن أبي طالب، وقيل بأنّه سيبَوَيْه
أهميّة علم النَّحو العربيّ
إنّ المعرفة بعلم النَّحو العربيّ أمر ضروريّ، ولا بدَّ منه لكلّ عربيٍّ مُسلِم؛ حتى يستقيمَ لسانه، وتتلخَّص أهميّة المعرفة بقواعد النَّحو وضَبْط الكلمة في ما يأتي:
- اللغة العربيّة لغة القرآن، ولا بدّ لكلّ من أراد فَهْم القرآنِ وفَهْم دينِه، أن يقرأَه قراءة صحيحة؛ كي لا يسيء فَهْمَه؛ وحتى يفهمَ الأحكام الشرعيّة بصورتها الصحيحة.
13 كما أنّ بعض الآيات؛ إن لم تُقرأ بضَبْطها الصحيح، فإنّ اللَّحن والخطأ في قراءتها قد يُؤثِّر على المعنى، كما في قول الله تعالى: ( أَنَّ اللَّـهَ بَريءٌ مِنَ المُشرِكينَ وَرَسولُهُ )؛[14] إذ يخطئ بعض التالين لكتاب الله تعالى دون قصد، فيقرؤون كلمة رسوله بكسر اللام، وعندها يكون المعنى مُخالِفاً تماماً للشريعة الإسلاميّة؛ إذ إنّه لدى عطف كلمة رسولِه (بالكسر) على المشركين، يصبح المعنى أنّ الله بريء من المشركين ومن رسوله، وحاشاه تعالى أن يتبرَّأ من رسوله، بل المَقصود هنا أنّ الله تعالى ورسولُه بريئان من المشركين، فكلمة (رسولُه): اسم معطوف على لفظ الجلالة (الله) مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. - فَهْم الكلام المُراد والمعنى المَقصود من خلال الضَّبْط الصحيح للكلمات،
[4] ويتبيَّن ذلك مثلاً في الفَرق بين العبارتَين الآتيتَين: شاهدْنا الفائزَ، حيث إنّ كلمة الفائزَ منصوبة بالفتحة، وهي مفعول به، وقد بيَّنَت حركة الفَتْح المعنى المَقصود وهو أنَّ فعل الفاعل وَقَع على المَفعول به الفائزَ، أمّا في جملة: شاهدَنا الفائزُ، فإنّ كلمة الفائز مَرفوعة بالضمّة، وهي فاعل، وقد بيَّنَت حركة الضمة المَعنى المَقصود، وهو أنّ فعل الفاعل وَقَع على ضمير المُتكلِّمين (نا)، والفاعل الذي قام بالفعل هو الفائز. - شعور المُتأمِّل في قواعد النَّحو العربيّ باعتزازٍ أكبر بلغته، ويشعرُ بالفَخْر والانتماء لهذه اللغة الغنيّة المَليئة بالمعاني الدقيقة والحيويّة، والجميلة، والعميقة، كما يشعر بالمُتعَة، والطَّرافة.
[4]
أشهر ما كُتِب في علم النَّحو العربيّ
حَرص العلماءُ العَرَب وغيرهم من العَجَم منذ القِدَم على الاهتمام بوَضْع قواعد ثابتة وسهلة للغة العربيّة؛ لكثرة من يشكون صعوبَتها، ولم يُعرَف عن لغة أخرى أنّها لَقِيَت من الاهتمام ما لَقِيَته اللغة العربيّة من اهتمام أصحابها وعلمائها بوضع قواعد ثابتة لها؛ بهدف إتقان اللغة، وتقويم الألسنة، وفَهْم الكلام أكثر، وفي ذلك قال يوحان فك أحد المُستشرِقين: "ولقد تكفَّلت القواعد التي وضعها النحاة العرب في جهد لا يعرف الكلل، وتضحية جديرة بالإعجاب بعرض اللغة الفصحى، وتصويرها في جميع مظاهرها، حتى بلغت كتب القواعد الأساسية عندهم مستوى من الكمال لا يسمح بزيادة".
- بعض أشهر مصادر النَّحو القديمة فالحديثة، لمن أراد الاستفادة، ودراسة القواعد النحويّة:
[16] - أوضح المَسالك لابن هشام.
- شرح ابن عقيل.
- شرح التصريح على التوضيح للأزهري.
- شرح قَطْر الندى لابن هشام.
- ومن المراجع الحديثة المُعاصِرة ما يأتي:
- جامع الدروس العربية للشيخ مصطفى الغلاييني.
- معاني النحو للدكتور فاضل صالح السامرائي.
- النَّحو الواضح للأستاذين علي الجارم ومصطفى أمين.
- النَّحو الوافي للأستاذ عباس حسن.
المراجع
- 1 - د. محمود مغالسة، <i> " النحو الشافي " , ، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 7 , د. محمود مغالسة، .
- 4 - د. فاضل السامرائي (2000)، <i> " معاني النحو " , (الطبعة الأولى)، الأردن: دار الفكر ، صفحة 5،8 جزء الأول , د. فاضل السامرائي (2000)، .
- 6 - سورة فاطر، آية: 27. .
- 7 - إسماعيل كُنجو جي، " المسألة حول واضع علم النحو العربي " , almanhal , إسماعيل كُنجو جي، .
- 9 - أحمد مراد (10-5-2013)، " أبو الأسود الدؤلي صاحب النحو والنقاط على الحروف " , alittihad , أحمد مراد (10-5-2013)، .
- 10 - سورة التوبة، آية: 3. .
- 11 - إسماعيل ديب (13-4-2013)، " قصة النحو " , alittihad , إسماعيل ديب (13-4-2013)، .
- 14 - سورة التوبة، آية: 3. .
- 16 - د. محمد السامرائي (2014)، <i> " النحو العربي أحكام ومعان " , (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن كثير، صفحة 6، جزء الأول , د. محمد السامرائي (2014)، .