ما هو صحيح البخاري

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  ٠٧:٤٧ ، ٢٦ يوليو ٢٠٢٠
ما هو صحيح البخاري

التعريف بالإمام البخاري

الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، ويكنّى بأبي عبدالله، كان مولده في الثالث عشر من شهر شوال في عام مئة وأربع وتسعين هجرياً، في يوم الجمعة بعد الصلاة، بدأ طلب العلم في صغره وهو ما يزال صبيّاً، واعتنى بحفظ الحديث النبوي الشريف، واشتغل به وهو يدرُس في الكُتّاب، ولم يتجاوز عمره حينئذٍ عشر سنين، وكان يتنقّل بين علماء الحديث في بلده طالباً للعلم، ويصحّح ما أخطأ فيه بعض شيوخه، ولما أتمّ ست عشرة سنة كان قد أنهى حفظ كتب الإمام ابن المبارك، ووكيع، وتعلّم فقه أهل الرأي، ثم خرج حاجّاً إلى مكّة المكرّمة مع أمّه، وأخيه أحمد، فلمّا أتم حجه عاد أخوه بأمّه إلى بلادهم، وبقي هو يطلب الحديث في مكّة المكرّمة.[1]

كتاب صحيح البخاري

التعريف بصحيح البخاري


كان الإمام البخاري هو أوّل من أّلف كتاباً مفرداً في الحديث الصحيح، وقد سمّاه بالجامع الصحيح من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيّامه، وقد أولى الإمام البخاري -رحمه الله- كتابه الصحيح عناية فائقة، وألّفه بدقّة وحرصٍ شديدين، ويقول الإمام البخاري عن كتابه الصحيح: جمعت كتابي الجامع الصحيح من ستّمئة ألف حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومكثت في تأليفه ستّ عشرة سنة، وادّخرته حُجَّةً فيما بيني وبين الله -تعالى-.[2]

وقال الإمام البخاري: لم أضع في كتابي الصحيح إلّا ما صح عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولم استوعب جميع الحديث الصحيح؛ حتّى لا يطول الكتاب، ويعدّ كتاب البخاري أعلى كتب السنّة الستّ سنداً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك لأنّ الإمام البخاري كان أكبرهم سنّاً، ممّا مكّنه من لقاء كبار المحدّثين، والأخذ منهم؛ فهو يروي عن جماعة من أئمة الحديث لا يروي بقيّة أصحاب الكتب الستّ عنهم؛ إلّا عن واحد منهم،[3] وقد اتّفق جمهور العلماء على تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم؛ لأنّ شرط الإمام البخاري كان أعلى وأوثق من شرط الإمام مسلم في قبول الحديث، وقد نقل اتّفاقهم بن الصلاح، وأجمع العلماء على صحّة ما ورد في صحيح البخاري، وتلقّته الأمّة بالقبول جيلاً بعد جيل.[4][5]

الحاجة لتأليف صحيح البخاري وكيفيّة تأليفه


كانت الأسباب الداعية إلى تأليف الإمام البخاري لصحيحه الجامع متعددة، ويذكر منها ما يأتي:[6]
  • وجود حاجة ماسّة إلى إفراد الحديث الصحيح في كتاب مستقل؛ حتّى يتميّز الحديث عن غيره من أقوال الصحابة، وفتاوى فقهاء التابعين.

  • طلب أحد الرجال منه أن يُصنّف كتاباً مختصر في سنّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك عندما كان الإمام البخاري جالساً في مجلس شيخه إسحاق بن راهويه؛ لما لاحظه من قوّة حفظ الإمام البخاري، ومعرفته بعلوم الحديث، واطّلاعه على علل الأحاديث، وأسانيدها.

  • وقوع رؤيا للإمام البخاري، رأى فيها نفسه يُبعد الذباب عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بمروحة كانت في يده، فقيل له في تفسير هذه الرؤيا: إنّك تبعد الكذب عن سنّة النبي -عليه السلام-.
ابتدأ الإمام البخاري تأليف كتابه الصحيح مستعيناً بما لديه من معرفة واسعة في علوم الحديث، وأحوال الرواة، وكثرة تنقّله بين البلدان جمعاً للحديث، مع ما وهبه الله -تعالى- من قوّة في الحفظ، وقد أخذ يؤلّف كتابه بتمهّل وتأنّي، واتّبع في جمعه منهجاً علمياً رصيناً؛ فبدأ الإمام البخاري تأليف كتابه، ووضع المنهج العام له في بيت الله الحرام، ثم أتمّ تأليفه وبيّضه في بلدة بخاري، وجمع تراجم كتابه في الروضة الشريفة بين قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنبره، وكان يغتسل ويصلي ركعتين؛ استخارة لله -تعالى- قبل وضعه لأيّ حديث في كتابه، وأعاد النظر في كتابه مرّات عديدة، وكان في كل مرّة يُعيد تنقيحه، وتهذيبه، ثمّ عرض كتابه على جماعة من شيوخه الكبار فاستحسنوه، وشهدوا له بصحّة ما ورد فيه إلّا في أربعة أحاديث، ويقول الإمام العقيلي عن هذه الأحاديث الأربعة: رأي البخاري فيها هو الأصحّ.[6]

طريقة الإمام البخاري في جمع الأحاديث


كان الإمام البخاري لا يأخذ الحديث إلّا من العلماء الثقات، وقد روى الحديث في كتابه الصحيح عن خمس طبقات من الرواة، واحتاط في جمعه للأحاديث النبويّة أشدّ الاحتياط، وقد كرّر النظر في كتابه الصحيح ثلاث مرّات، ويُعيد في كلّ مرّة تصحيح ما ورد فيه، وانتقاه من ستّمئة ألف حديث؛ فبلغ جملة ما في صحيحه من الأحاديث المسندة مع المكرّر سبعة آلاف ومئتين وخمسة وسبعون حديثاً، وأربعة آلاف حديث من غير المكرر.[7]

وقد اتّبع الإمام البخاري في ترتيب صحيحه أسلوباً فريداً؛ حيث رتّب صحيحه على كتب مختلفة، ينضوي تحت كلّ كتاب مجموعة من الأبواب، وبلغ عدد الكتب التي وضعها البخاري في صحيحه سبعة وتسعين كتاباً؛ فابتدأ صحيحه بكتاب بدء الوحي، ثم اتبعه بكتاب الإيمان، ثمّ كتاب العلم، ثمّ أورد كُتب العبادات من وضوء، وغسل إلى أن أتمّ جميع العبادات، وجمع في تلك الكتب أحكام الشريعة، سواءً العمليّة أو الاعتقاديّة، ومن ذلك أيضاً كتاب تفسير القرآن، وفضائله، وكتاب الأدب، وكتاب الدعوات، وكتاب الرِّقاق، ثمّ وضع كتاباً ذكر فيه أحاديث الأنبياء -عليهم السلام-، وكتاب المناقب، ووضع كتاباً في المغازي خصّه بذكر سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وغزواته، ووضع كتاباً في الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-، وجعل في أخر صحيحه كتاب الفتن، وكتاب الأحكام، وكتاب التمنّي، وذكر كتاب أخبار الآحاد، وكذلك كتاب الاعتصام بالكتاب والسُنّة، وختم صحيحه بكتاب التوحيد.[2]

شروط البخاري في صحيحه


اشترط الإمام البخاري في جمعه للأحاديث التي وضعها في صحيحه مجموعة من الشروط، وبيان هذه الشروط فيما يأتي:[8][7]
  • صحّة الإسناد: كون الحديث متصل الإسناد، ويرويه الثقات العدول، ويسلم من الشذوذ؛ أي من مخالفة الراوي الثقة لمن هو أوثق منه، أو يخالف الأكثر عدداً، أو الأشدّ ضبطاً، ويخلو من العلّة القادحة.

  • عدالة الرواة: كون الراوي قوي الحفظ، متقناً لما يرويه، ملازماً لشيخه الذي يروي عنه، كثير الرواية عنه، فيُخرّج لهؤلاء في الأصول، وأمّا من لم يلازم شيخه طويلاً، أو لم يُكثر في الرواية عنه؛ فإنّه يروي عنه في المتابعات، والشواهد.

  • اللقاء والمعاصرة: ثبوت اللقاء ولو لمرّة واحدة بين الرواي الثقة وشيخه؛ إذا كان يحدّث عن شيخه بلفظ العنعنة*، ولا يكتفي بمعاصرة الراوي لشيخه فقط؛ لاحتمال أن يروي الراوي عن شيخه بطريق الإرسال؛ فإذا ثبت اللقاء بين الراوي وشيخه حمل لفظ العنعنة على السماع المباشر، وهذا الشرط أقوى من شرط الإمام مسلم، والإمام أحمد بن حنبل- رحمهما الله- الذان اكتفيا بالمعاصرة فقط دون اللقاء.


تراجم صحيح البخاري


يطلق مصطلح التراجم على أسماء أبواب الكتب التي رتّبها الإمام البخاري في صحيحه؛ فقد وضع في كلّ باب مجموعة من الأحاديث، وقد اعتنى الإمام البخاري بهذه التراجم عناية شديدة، ووضعها لمقاصد سامية؛ فيضعها أحياناً حتى يشير إلى دقائق المسائل الفقهية، وأحياناً لبيان أصول الحديث، وعلله الخفية؛ فقد أودع الإمام البخاري فقهه في تراجم الأبواب التي في صحيحه، وقد كان يضع التراجم بناءاً على فهمه الدقيق للكتاب والسنّة، واستخراجه للأحكام منهما، واستنباطه لفقه الحديث الذي يرويه؛ فقد ربط في تراجمه بين القرآن، والحديث، والفقه، وتتنوّع تراجم الإمام البخاري بين ما هو ظاهر، ومطابق في الدلالة لما في الباب من الأحاديث، وبين ما يكون تعبيراً للمعنى الوارد في الحديث.[9]

ثناء العلماء على صحيح البخاري


تظافرت اقوال العلماء في الثناء على صحيح الإمام البخاري ومدحه؛ فيقول الإمام النووي- رحمه الله-: أجمع العلماء- رحمهم الله تعالى- على أنّ صحيح البخاري ومسلم هما أصحّ الكتب بعد كتاب الله -تعالى-، وقد تلقّت الأمة الإسلامية جميع ما فيهما بالقبول، ويُعدّ صحيح الإمام البخاري أصحهما، وأرفعهما منزلة؛ وذلك لغزارة فوائده، وعلومه الجلية والخفية، وقد ثبت أن الإمام مسلم كان ممن استفاد من علم البخاري، ويُثبت له إمامته في الحديث، وقد ذهب جمهور العلماء من أهل الإتقان، والمعرفة بعلم الحديث إلى تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم.10

وقد نقل الإمام ابن كثير- رحمه الله تعالى- إجماع علماء الإسلام، وأهله على تلقي ما في صحيح البخاري بالقبول والصحة، وقد عدَّه الإمام ابن السبكي أجلّ كتاب في الإسلام بعد كتاب الله -تعالى-، ويقول الإمام أبو عمرو بن الصلاح في كتابه علوم الحديث: أصحّ الكتب بعد كتاب الله -تعالى- هو صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم؛ فكتاب البخاري هو المقدم؛ لأنه الأصح سنداً، والأكثر فائدة.[11]

بعض شروح صحيح البخاري


اعتنى العلماء قديماً وحديثاً بصحيح الإمام البخاري، وجعلوه في المرتبة الثانية بعد كتاب الله -تعالى- في الاهتمام به؛ فانقسم العلماء في العناية بصحيح البخاري بين شارح له، ومستنبط للأحكام من نصوصه، وباحث في رواته ومعلقاته التي أوردها في صحيحه، وبين مفسر لغريب ألفاظه، ومنهم من سعى إلى حلّ مشكلات الإعراب فيه، وقد بغلت الشروحات والتعليقات المؤلّفة على صحيح البخاري أكثر من مائة وثلاثين شرحاً متنوعاً، وفيما يأتي بيان لأهم هذه الشروح وأشهرها:[12]
  • فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ للمحدث الحافظ شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المكنى بأبي الفضل، ويعدّ شرحه من أهم الشروح، وأوسعها، وأعلاها فضلاً، ويقول العلامة الشوكاني عن هذا الشرح: لا هجرة بعد الفتح.

  • كتاب عمدة القاري في شرح البخاري، ألّفه العلامة محمود بن أحمد العيني الحنفيّ مذهباً.

  • إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري، لشهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني.

  • الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، لمصنّفه شمس الدين محمد بن يوسف بن علي بن سعيد الكرماني.

  • شرح ابن المنير، وقد ضعه الإمام ناصر الدين علي بن محمد بن المنير الإسكندراني في نحو عشر مجلدات، وهو من الشروح الكبيرة على صحيح البخاري.

  • شرح ابن بطال على صحيح البخاري، ألّفه الإمام أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك، المعروف بابن بطال القرطبي المالكي مذهباً.

  • كتاب التوشيح شرح الجامع الصحيح، للإمام جلال الدين السيوطي.

  • التلويح في شرح الجامع الصحيح، كتبه الحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج التركي المصري الحنفيّ.



الهامش
*لفظ العنعنة: هو لفظ يطلق على رواية الراوي بلفظ "عن".[13]

المراجع