الحَجّ
يُعرَّف الحجّ لغةََ ب: القَصْد إلى الشيء المُعظَّم، ومن أهل اللغة مَن عرّفه بأنّه: القَصْد، والكَفّ، وقِيل إنّ الحجّ هو: القَصْد إلى كلّ شيءٍ، وقِيل: القَصْد للزيارة، وحَجَّ فلان؛ أي قَدِم،
أركان الحجّ وعددها
بيَّنَ علماء المذاهب الفقهيّة الأربعة أركان الحَجّ، وعددها، وتجدر الإشارة إلى أنّ تَرك الحاجّ لأيّ رُكنٍ من أركان الحَجّ يُبطِل حَجَّه،
أركان الحجّ عند الشافعيّة
قالوا بأنّ أركان الحجّ خمسةٌ، وهي: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسَّعي بين الصفا والمروة، والحَلْق،
وقد أجمع العلماء على عدم جواز الجَمْع بين الحَلْق والتقصير، وقالوا بأنّ الحَلْق أفضل؛ لِما ثبت في صحيح الإمام مسلم عن أمّ الحُصين الأحمسيّة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (سَمِعَتِ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً)،
أركان الحَجّ عند الحنفيّة
قالوا بأنّ للحجّ رُكنَين، وهما: الوقوف بعرفة، ومعظم طواف الزيارة؛ إذ إنّ الطواف سبعة أشواطٍ، فإن أتمّ الحاجّ أربعة أشواط منها فقد جاء بالرُّكن، وتلزمه الفِدية لجَبْر الباقي، وقد خالفوا جمهور أهل العلم القائلين بأداء الطواف كاملاً، كما فعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وأمر الناس أن يقتدوا به؛ إذ قال في حِجّة الوداع: (يا أَيُّها الناسُ خُذُوا عَنِّي مناسكَكم، فإني لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بعد عامي هذا)،
وتجدر الإشارة إلى أنّ الوقوف بعرفة يُعَدّ رُكن الحَجّ الأعظم، لا سيّما أنّ الله -تعالى- أتمّ نعمته على أمّة الإسلام فيه، فقد نزل فيه قَوْله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)،
وممّا يدلّ على أنّ الوقوف بعرفة رُكنٌ قَوْل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الحجُّ عرفةُ، من جاءَ ليلةَ جمعِ قبلَ طلوعِ الفجرِ فقد أدركَ الحجَّ)،
أركان الحَجّ عند المالكيّة
قالوا بأنّ للحجّ أربعة أركانٍ، وهي: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسَّعي بين الصفا والمروة، وبيَّنوا أنّ الحجّ لا يصحّ ويفوت بعدم أداء رُكنَين، وهما: الإحرام، والوقوف بعرفة، أمّا طواف الإفاضة، والسَّعي بين الصفا والمروة، فلا يَبطلُ الحجّ بفواتهما، ويجوز أداؤهما ولو بعد عامٍ.
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الإحرام يُراد به: نيّة الدخول في النُّسك، والالتزام بحُرمات مخصوصةٍ لا يجوز الإتيان بها، ويتمّ الدخول في الإحرام بالنيّة، والتجرُّد من المخيط عند الإحرام، مع ترتُّب الفِدية بسبب تَرْك التلبية، وتكون التلبية بقَوْل: "لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والمُلْك، لا شريك لك"، وعلى الرغم من أنّ مَحلّ النيّة القلب إلّا أنّ الأفضل النُّطق بها؛ تجنُّباً للسَّهو، واستدلالاً بما ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّا عندَ ثَفِناتِ ناقةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندَ المسجدِ فلمَّا استوَتْ به قال: لبَّيْكَ بحجَّةٍ وعمرةٍ معًا)،
أمّا السَّعي بين الصفا والمروة فيُعرَّف اصطلاحاً بأنّه: قَطْع المسافة الواقعة بين الصفا والمروة سبع مرّاتٍ، وهو من نُسك الحَجّ والعُمرة،
أركان الحَجّ عند الحنابلة
قالوا بأنّ للحجّ أربعة أركانٍ، هي: الإحرام، وهو الرُّكن الأوّل؛ إذ لا يصحّ العمل من غير نيّةٍ؛ لِما ثبت في صحيح الإمام البخاريّ عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)،
أمّا الرُّكن الثالث، فهو طواف الإفاضة، وإن تركه الحاجّ وأتى بغيره من الأركان، وخرج من مكّة مسافةً يجوز فيها قَصْر الصلاة، جاز له الرجوع إلى مكّة مُعتمِراً، فيُؤدّي أعمال العمرة، ثمّ طواف الإفاضة، وتَجب عليه الفِدية، ويُعَدّ السَّعي بين الصفا والمروة الرُّكن الرابع؛ فلا يصحّ الحَجّ إلّا بالسَّعي؛ لِما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من أنّه قال: (إنَّ اللهَ كتب عليكم السعيَ فاسْعوا)،
حُكم الحَجّ
الحجّ رُكنٌ من أركان الإسلام كما ثبت في صحيح الإمام البخاريّ عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)،
وقد أجمعت الأمّة الإسلاميّة على وجوب الحجّ مرّةً واحدةً في العُمر على كلّ مُسلمٍ مُقتدرٍ، ونُقِل الإجماع في المغني، وبدائع الصنائع، فقال ابن عبد البرّ -رحمه الله-: "إنّ الإجماع في الرجل يكون معه الزاد والراحلة، وفيه الاستطاعة، ولم يمنعه فساد طريق ولا غيره، أنّ الحجّ عليه واجبٌ"، وقال ابن المنذر -رحمه الله- أيضاً: "وأجمعوا على أنّ على المرء في عُمره حجّةً واحدةً، حجّة الإِسلام".
الحِكمة من مشروعيّة الحجّ
شرع الله -سبحانه وتعالى- الحجّ لأسبابٍ عديدةٍ، وأهدافٍ، وحِكم، ومقاصد ساميةٍ، ويُمكن تلخيص الحكمة من مشروعيّة الحجّ فيما يأتي:
- بيان تذلُّل العبد لله -تعالى-؛ فبأداء الحاجّ لشعائر الحَجّ؛ من سعيٍ، وطوافٍ، ومرورٍ في مزدلفة ومنى، ووقوفٍ بعرفة؛ يدل على خضوع العبد لله - سبحانه وتعالى-.
- تعليم النفس، وتدريبها، وتعويدها على التخلُّق بخُلق الصبر؛ للوصول إلى أعلى مراتب الإيمان بالله -تعالى-.
- شُكْر الله -تعالى- على نِعَمه على العباد، ولا سيّما الصحّة، والمال، وهما من أعظم النِّعم التي أنعم بهما الله -تعالى- على عباده.
- تحقيق اجتماع المسلمين على كلمةٍ واحدةٍ؛ فبالحجّ يجتمع المسلمون في المعنى والشكل على الإسلام، وطاعة الله -تعالى-، ولعلّ الله -تعالى- شرع الحَجّ مُتمِّماً شعائرَ الإسلام التي يجتمع فيها المسلمون، كصلوات الجماعة، والعيد، والجُمعة، وغير ذلك من الشعائر.
- تقوية أمّة الإسلام، وتحقيق عزّتها؛ ففي الحَجّ يجتمع المسلمون من أقطار العالم كلّها على اختلاف أعراقهم، وأجناسهم، وألوانهم، والمُراد بذلك تحقيق أهداف الإسلام؛ سواء الدينيّة، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية، وغيرها من الأهداف.
- تحقيق معاني المساواة بين الناس جميعهم في أعظم صورها؛ فلا فرق في الحَجّ بين غنيٍّ وفقيرٍ، أو بين أبيض وأسود؛ فالجميع سواسيةٌ واقفون لهدفٍ واحدٍ، ولا فَضْل لأحدٍ فيهم على الآخر.
- تحقيق معنى التقوى؛ فالحاجّ يمتثل أوامرَ الله -تعالى-.
- تحقيق معنى الإخلاص؛ فالحاجّ يُخلص طاعته لله -تعالى-، ويبتغي بها وجهه دون سواه.
- الاقتداء بالنبيّ إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-؛ حيث دعا -عليه السلام- الناس لأداء الحَجّ، وأدّى مناسك الحَجّ وشعائره كلّها كما أمره الله -سبحانه وتعالى-، قال -عزّ وجلّ-: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ*لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ).
[32]
المراجع
- 1 - د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني (1431 هـ - 2010 م)، <i> " مناسك الحج والعمرة في الإسلام " , (الطبعة الثانية)، القصب: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 8 , د. سعيد بن علي بن وهف القحطا .
- 2 - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، <i> " الموسوعة الفقهية " , ، صفحة 23، جزء 17 , وزارة الأوقاف والشؤون الإس .
- 3 - الشيخ محمد طه شعبان (18/1/2018م)، " ما هي أركان الحج " , www.alukah.net , الشيخ محمد طه شعبان (18/1/2018م) .
- 4 - موسوعة الفقه الإسلامي , www.al-eman.com , 12-4-2020. بتصرّف. .
- 5 - أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، <i> " المجموع شرح المهذب " , ، صفحة 265، جزء 8 , أبو زكريا محيي الدين يحيى ب .
- 7 - سورة الفتح، آية: 27. .
- 8 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم الحصين الأحمسية، الصفحة أو الرقم: 1303، صحيح. .
- 9 - أركان الحج وواجباته , www.alukah.net , د. عبد الحسيب سند عطية و د. ع .
- 10 - رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 7882، صحيح. .
- 11 - سورة الحج، آية: 29. .
- 12 - الطبيب أحمد حطيبة، <i> " شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيار " , ، صفحة 12، جزء 26 , الطبيب أحمد حطيبة، .
- 13 - سورة المائدة، آية: 3. .
- 14 - رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4006، صحيح. .
- 15 - رواه النووي، في المجموع، عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم: 8/95، صحيح. .
- 16 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1211، صحيح. .
- 17 - أركان الحج وواجباته وسننه , www.islamweb.net , 11-4-2020. بتصرّف. .
- 18 - شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي، <i> " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني " , ، صفحة 352 , شهاب الدين النفراوي الأزهر .
- 19 - رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3932، أخرجه في صحيحه. .
- 20 - تعريفُ السَّعيِ بين الصَّفا والمروةِ , www.dorar.net , 11-4-2020. بتصرّف. .
- 21 - سورة البقرة، آية: 158. .
- 22 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1، صحيح. .
- 23 - رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم: 3044، صحيح. .
- 24 - رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1798 ، صحيح. .
- 25 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1277، صحيح. .
- 27 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح. .
- 28 - سورة آل عمران، آية: 97. .
- 29 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1337، صحيح. .
- 30 - محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (1430 ه)، <i> " موسوعة الفقه الإسلامي " , (الطبعة الأولى)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 21 , محمد بن إبراهيم بن عبد الله .
- 31 - الفِقهُ الميَسَّر , (الطبعة الأولى)، الرياض: مَدَارُ الوَطن، صفحة 9-12، جزء 4 , أ.د.عَبدالله بن محمد الطيّا .
- 32 - سورة الحج، آية: 27-28. .