من الفكرة إلى النشر … البحث العلمي خطوة بخطوة!

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/24
من الفكرة إلى النشر … البحث العلمي خطوة بخطوة!

فلنتفق أنّه لا غنى عن البحث العلمي في الحياة، فهو أساس التقدم، ووسيلتنا لاكتشاف العالم وكل ما يحيط بنا، وحتى معرفة ذواتنا وسبر أغوار أنفسنا؛ نحتاجه للإجابة عن كافة الأسئلة التي تدور في مخيلتنا عن الكون وغيره، كما يساعدنا في حل المشكلات التي نواجهها. لذا، وبناءً على تصويت قُرّاءنا الأعزاء، أعددنا إليكم هذا المقال الذي يحتوي خطوات البحث العلمي تفصيليًا، بالإضافة إلى نصائح النشر العملي. عسى أن يساعدك على إطلاق ورقتك البحثية الأولى. حسنًا، دعونا لا ننتظر أكثر، ولنرى …


أولًا: خطوات البحث العلمي 


كل منا حتمًا مارس خطوات البحث العلمي مرات ومرات. قد لا تتذكر ذلك، ولكن الحقيقة تقول إنّنا نولد علماء بالفطرة، فما من طفل إلّا وقام بالأمر واستخدم المنهج العلمي عند استكشافه شيء جديد؛ ملامسته لجسم ساخن أول مرة، أو تجربته الأولى في تذوق الليمون اللاذع مثلًا، فهو يتساءَل، يجرب، ومن ثم يتوصل إلى نتائج تضيف إلى خبراته، وهكذا


 الخطوة الأولى: صياغة السؤال وتحديد المشكلة (فكرة البحث)


كيف، ماذا، متى، من، لماذا، أو أين؟ عشرات الأسئلة نطلقها بشكل يومي. لذا، لا عجب أن تكون هي نقطة البداية لمعظم الاكتشافات الجديدة، إذ يبدأ طريق البحث العلمي عندما تطرح سؤالًا عن شيء تراه أو مشكلة تلاحظها، وبالطبع ليس أي سؤال يصلح كنواة لبحث علمي جديد، إنما ينبغي أن يكون مرتبطًا بتخصصك أو على الأقل ضمن اهتماماتك فعليًا، وليس سؤالًا عابرًا أو تحمس لحظي!


عليك في هذه الخطوة تحديد الفكرة التي تريد العمل عليها، أو المشكلة التي تسعى لإيجاد حل لها وعلاجها من خلال مشروعك البحثي، وليكن اكتشاف طريقة مبتكرة للحد من حوادث الطرق، أو العثور على علاج جديد لأحد الأمراض.


ولابد أن يكون السؤال شيئًا قابلًا للقياس، ويُفضل أن يكون بالإمكان عده.


الخطوة الثانية: الخلفية العلمية


العلم تراكمي، وبالطبع أنت تريد أن تضيف جديدًا. لذا، خذ وقتك في هذه الخطوة بالغة الأهمية، إذ أنّ البحث ومحاولة تجميع كل المعلومات الممكنة ذات الصلة بالموضوع لمعرفة آخر ما توصل إليه من سبقوك في نطاق بحثك. يجنبك تضييع مزيد من الوقت والجهد في تكرار أخطاء، أو حتى الوصول لنتائج كان قد تم الوصول إليها وإثباتها من قبل بالفعل!


قم في ذلك بالاعتماد على مصادر ومراجع موثوقة، بدلاً من الاعتماد على مقالة عشوائية مجهولة المصدر على الإنترنت مثلًا، مع تنظيمها وحفظها بالتدوين؛ لتسهيل الرجوع والاطلاع عليها بسرعة لاحقًا متى تحتاج إليها.


الخطوة الثالثة: الفرضية


إنّها تخمين مدروس، وهنا بعد أن اطلعت على كافة المعلومات المتاحة تبدأ بافتراض إجابة لسؤالك، فالفرضية هي محاولة للعثور على رد السؤال، وإيجاد حل للمشكلة مع تفسير يمكن اختباره.


الفرضية الجيدة تسمح لك بالتنبؤ بالنتائج، على هذا النحو


“إذا [فعلت هذا]، ثم [هذا]؛ سيحدث [هكذا] والسبب هو …”


أي عليك إقرار كل من الفرضية والنتائج المُتوقعة التي ستقوم باختبارها على حدٍ سواء، وكما قلنا يجب أن تكون التوقعات سهلةً أو قابلةً للقياس.


الخطوة الرابعة: التجربة


لإثبات صحة أو خطأ الفرضية عليك اختبارها عمليًا. لذا، ستقوم في هذه الخطوة بتصميم بروتوكول دقيق بحيث يتضمن خطوات العمل بالترتيب لمزيد من التنظيم + الأدوات المُستخدمة في التجربة أو التجارب، ويجب أن تكون تلك التجارب قياسيةً. ذلك، بالتأكد من القيام بتغيير عامل واحد فقط كل مرة مع الحفاظ على ثبات جميع الظروف التجريبية الأخرى، كما ينبغي عليك أيضًا تكرار تجاربك عدة مرات للتأكد من أنّ النتائج الأولى حقيقية، ولم تكن مجرد حادث.


هنا تجدر الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية تلي البروتوكول؛ ألا وهي الاستعانة بأحد المتخصصين للإشراف على المشروع البحثي الخاص بك، ومن الضروري التوعية بمعايير اختيار هذا المشرف بعناية؛ كأن يكون شخصًا محل ثقة ذو سمعة طيبة، وإلّا من يدري، فربما تتعرض للسرقة البحثية! وأن يكون ذا مكانة علمية بحيث يتمكن من توجيهك بشكل عام، ومساعدتك على الدخول في المعامل وإجراء تلك التجارب وغيرها من التسهيلات، حتى أنّه قد يدعمك للحصول على منحة تمويلية. بالطبع كل هذا متى نجحت في إقناعه بفرضيتك والبرتوكول الذي وضعته لاختبارها. لذا، عليك أن تبذل جهدك في الأمر.


الخطوة الخامسة: تحليل البيانات ورسم استنتاج


بمجرد اكتمال التجربة، يمكنك جمع النتائج وتحليلها للتحقق مما إذا كانت تدعم فرضيتك أم لا،


فإذا وجدت أنّ النتائج غير دقيقة أو لم تدعم فرضيتك. في مثل هذه الحالات يقوم العلماء بتبليغ نتائج تجربتهم، ثم يعودون بضع خطوات للخلف لتعديل التجربة، أو إنشاء فرضية وتنبؤ جديد استنادًا إلى المعلومات التي تعلموها خلال تجربتهم. ذلك، بعد معرفة أسباب عدم صحتها على وجه التحديد، وحتى لو وجدتها داعمةً لفرضيتك، فقد ترغب في اختبارها مرةً أخرى بطريقة جديدة لمزيد من التأكيد.


الخطوة السادسة: النشر


الآن، بعد تحليل البيانات والحصول على النتائج. ستقوم بإبلاغها في تقرير نهائي أو ورقة علمية، فالعلماء المتخصصين يفعلون نفس الشيء تقريبًا بالضبط من خلال نشر تقريرهم النهائي في مجلة علمية، أو من خلال تقديم نتائجهم في مجلد أو الحديث في اجتماع علمي.


ملحوظة/ في الساحة العلمية يهتم الحكام بالنتائج التي تم التوصل إليها بغض النظر عما إذا كانت تؤيد فرضيتهم الأصلية أو تبطلها.


وفيما يلي نوجز شروط ونصائح النشر العلمي:


– بدايةً، اجعل هدفك الرئيسي من النشر هو “المساهمة العلمية”، فمن الممكن أن تكون قد توصلت لنتائج رائعة، إنما لا يتم قبولها لأنّها لم تُعرض بطريقة جيدة. لذا، اهتم بتسويق أفكارك وعرض نتائجك من جديد على النحو الذي تستحقه، ولا تيأس، فحتى الأوراق البحثية لأكبر العلماء والمتخصصين مُعرضة للرفض، وتُرفض أحيانًا، ولكن تقبل الأمر سريعًا واعرف أسبابه، وتعلم من تجربتك لتطوير عملك القادم.


– عند انتقائِك لمجلة ما. تأكد أولًا من أنّ رسالتها تتفق مع موضوع بحثك أو ورقتك، ومن الأفضل أن تقوم بإدراج شيء من أوراقها كمرجع، وبالتالي فإنّ اختيار أحد المجلات بعينها يعتمد بشكل كبير على اطلاعك بآخر ما نُشر بها.


– من الهام إقناع مشرفك بمدى أهمية النشر بالنسبة لك، وإشراكه في كل الخطوات.


– فكر جيدًا في حقوق النشر، واعلم أنّ حفظ الحقوق الخاصة بك يبدأ بحفظك حقوق الآخرين؛ فابتعد عما يُسمى بالـ plagiarism، والتزم بأخلاقيات البحث، وعدم تزوير أي نتائج.


– لا تكن شكاكًا وتفقد الثقة في كل من حولك وتخالهم يسرقون فكرتك، بل جد شخصًا تستطيع الوثوق به، وتناقش معه واستشيره حول المحتوى وطريقة العرض واللغة.


– راجع الكتابة مرارًا وتكرارًا؛ للتأكد من سلامة اللغة والتدقيق اللغوي.


– اقرأ بدقة كامل التفاصيل المتعلقة بالنشر في المجلة التي وقع عليها الاختيار، فلكل مجلة خطوات ومعايير يجب اتباعها، وإلّا رُفض البحث.


– التزم بالترتيب القياسي لعناصر الورقة، مع استخدام مراجع تتمتع بالحداثة، وأساليب إحصائية ملائمة … إلخ.


– يجب أن تكون رسالتك مفيدةً مثيرةً للاهتمام، وأن تكون مُقدمةً بأسلوب كتابة علمي منطقي وبناء مُنظم سليم، وأن تكون أهميتها واضحةً لتوفير الوقت بحيث يسهل على المحررين والمراجعين فهمها.


وفي النهاية عليك أن تعلم أنّ النشر العلمي هو مثل تعلم اللغة لن تجيدها حتى تمارسها، فابدأ باكرًا وتعلم من أخطائِك، وحَسّن نتائجك.