القصص في القرآن الكريم
تعتبر القصة أداة من الأدوات التي تستخدم في إيصال المعلومات، وتتصف هذه الأداة بأنّها سهلة الفهم، وقريبة للنفوس، ومحبّبة لها، فهي تقرّب الصورة والمشهد، وتدعو للتشويق، والرغبة في متابعة الأحداث، لذلك نجد أنّ القرآن الكريم قد امتلأ بالنصوص التي تحمل الطابع والأسلوب القصصي، بحيث تجتمع فيه كل الأفكار ضمن قصة معينة، تختصر المسافة والكلمات، وتجذب انتباه القارئ أو السامع، وترسخ المعلومة في ذهنه، وتترك فيه الأثر الكبير، وبذلك يكون هذا الطابع طريقة دعوية انتهجها القرآن الكريم لدعوة الناس، ولإيصال هذا الدين لهم، وليأخذوا هم بدورهم العظة والعبرة من هذه القصص، قال تعالى: (نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ بِما أَوحَينا إِلَيكَ هـذَا القُرآنَ)،
قصة أصحاب الكهف
وهي إحدى القصص التي ذكرها القرآن الكريم، ففي مدينة للروم اسمها أفسوس، وفي زمن ملك من ملوكهم يُقال له الملك دقيوس عاش أصحاب الكهف، وكان هذا الملك يعبد الأصنام، وفرض تلك العبادة على قومه، ومنهم أصحاب الكهف، أولئك الفتية الذين يُقال أنّهم كانوا يعبدون الأوثان، فهداهم الله، فآمنوا به، وكانت شريعتهم في ذلك الوقت شريعة عيسى عليه السلام.
سبب إيمانهم
يُذكر في سبب إيمان أهل الكهف وتحولهم من عبادة الأوثان إلى الإيمان بالله أنّه جاء حواري من أنصار عيسى -عليه السلام- إلى المدينة التي كانوا يسكنون فيها، وعندما همّ بدخولها، قيل له: (إنّ على بابها صنماً، لا يدخلها أحد حتى يسجد له)، فرفض دخول المدينة، وذهب إلى حمّام قريب منها، فعمل فيه، فجلب البركة للعمل، وعلِقَه الفتية (أصحاب الكهف)، فجعل يُحدثهم عن السماء والأرض وعن اليوم الآخر، حتى صدقوه وآمنوا بما يقول، ودخلوا في شريعة عيسى عليه السلام.
ترك أصحاب الكهف للقرية
عندما دعا ملك المدينة الوثني الظالم قومه لعبادة الأوثان رفض الفتية الانصياع له، وهربوا منه ثباتاً وحفاظاً منهم على دينهم، وخرجوا من المدينة، وفي طريقهم مرّوا براعٍ يتبعهم على دينهم وكان معه كلب، ثم استقروا في كهف ودخلوا إليه يتعبدون الله فيه، قال تعالى: (إِذ أَوَى الفِتيَةُ إِلَى الكَهفِ فَقالوا رَبَّنا آتِنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنا مِن أَمرِنا رَشَدًا)،
مطاردة الملك للفتية
استمر بحث الملك وأتباعه عن الفتية، حتى وصلوا إلى مكان الكهف الذي لجؤوا إليه، وكلما حاول رجل منهم أن يدخل عليهم الكهف دبّ الرعب فيه، قال تعالى: (لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا)،
بعث الله لأصحاب الكهف
بعد مرور سنوات بعث الله تعالى أصحاب الكهف، واستيقظوا من رقادهم، ولم يُدركوا حينها كم من الوقت قد مضى وهم في كهفهم نائمون، فتساءلوا عن ذلك، قال الله تعالى: (قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هـذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا)،
عدد أصحاب الكهف
قال الله تعالى في عدد أصحاب أهل الكهف: (سَيَقولونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُم كَلبُهُم وَيَقولونَ خَمسَةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم رَجمًا بِالغَيبِ وَيَقولونَ سَبعَةٌ وَثامِنُهُم كَلبُهُم قُل رَبّي أَعلَمُ بِعِدَّتِهِم ما يَعلَمُهُم إِلّا قَليلٌ)،
آيات الله في قصة أصحاب الكهف
كان الكهف مظلماً، وشديد البرودة، وفي مكان مهجور لا أمن فيه ولا أمان ولا متاع، وليس له باب وتحوطه المخاوف من كل جانب، فيتحوّل برحمة من الله وفضل إلى مأوى لهؤلاء الفتية، ويغير الله نواميسه في الكون إكراماً لهم، وإحساناً من الله لأنهم أحسنوا، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فبسبب تضحيتهم المدهشة، حيث تركوا أموالهم وما يملكون، وبسبب ثباتهم الراسخ على دينهم أكرمهم الله بعدة كرامات ذكرتها سورة الكهف، وهي كالآتي:
- قال تعالى: (وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم ذاتَ اليَمينِ وَإِذا غَرَبَت تَقرِضُهُم ذاتَ الشِّمالِ وَهُم في فَجوَةٍ مِنهُ)،
[13] فالآية تتحدث عن ميلان الشمس عنهم عند شروقها واشتداد حرها، وميلانها عنهم كذلك عند غروبها، فلا تؤذيهم في أول النهار ولا في آخره بحرّها، ولا تغير صورهم. - قال تعالى: (وَتَحسَبُهُم أَيقاظًا وَهُم رُقودٌ)،
[14] فعندما ضرب الله على آذانهم وناموا لم تنطبق أعينهم، بل بقيت مفتوحة، وقيل: ( يطبقون عيناً ويفتحون عيناً)، وذلك حفاظاً عليها من البِلى، لأنّ بقاءها معرّضة للهواء أدعى لحفظها وأبقى لها.[15] - قال تعالى: (وَنُقَلِّبُهُم ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ الشِّمالِ)،
[7] فالآية تتحدث عن تقليبهم بحركة مستمرة تارة لليمين وتارة للشمال، وذلك ليُبعد الله عنهم تعب وعناء النوم الطويل، ولئلا تأكلهم الأرض.[15] - قال تعالى: (وكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ)،
[14] فقد أصاب الكلب ما أصاب الفتية من النوم، وجلس على باب الكهف وبقي خارجه، وذلك لأنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، فكان من رحمة الله بقاؤه في الخارج.[15] - قال تعالى: (لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا)،
[14] فقد ألقى الله سبحانه وتعالى على أولئك الفتية المهابة، فلا ينظر إليهم أحد إلا وهاب منهم، فبذلك حفظهم الله من أن يقترب منهم أحد، فلا تطالهم يد بسوء أو أذى.[15]
المراجع
- 1 - سورة يوسف، آية: 3. .
- 2 - سورة يوسف، آية: 111. .
- 3 - فيصل بن سعود الحليبي ، " أثر القصص الدعوية في الدعوة إلى الله " , www.saaid.net , فيصل بن سعود الحليبي ، .
- 4 - محمود علي التلواني (5-1-2014)، " قصة أصحاب الكهف " , www.alukah.net , محمود علي التلواني (5-1-2014)، .
- 5 - سورة الكهف، آية: 10. .
- 6 - سورة الكهف، آية: 11. .
- 7 - سورة الكهف، آية: 18. .
- 8 - سورة الكهف، آية: 19. .
- 9 - خالد الحر (21-2-2015)، " أصحاب الكهف " , ar.islamway.net , خالد الحر (21-2-2015)، .
- 10 - سورة الكهف، آية: 22. .
- 11 - الراجح في عدد أصحاب الكهف , www.islamweb.net , 11-12-2012، 14-9-2018.بتصرّف. .
- 12 - محمد علي يوسف (28-1-2017)، " أصحاب الكهف 1 " , ar.islamway.net , محمد علي يوسف (28-1-2017)، .
- 13 - سورة الكهف، آية: 17. .
- 14 - سورة الكهف، آية: 18. .
- 15 - إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (1422هـ/2002م)، <i> " تفسير ابن كثير " , ، السعودية-الرياض: دار طيبة، صفحة 144-145، جزء الخامس , إسماعيل بن عمر بن كثير القر .