ابن حزم طوق الحمامة

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  ١٣:٣٩ ، ١١ نوفمبر ٢٠١٩
ابن حزم طوق الحمامة

التعريف بمُؤلّف طوق الحمامة ابن حزم الأندلسيّ

ابن حزم الأندلسيّ هو أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسيّ القرطبيّ. وُلِد في مدينة قُرطبة الأندلسيّة، وذلك عام 384 هجريّة، واشتُهِر بالكثير من المعارف، ومنها: الشِّعر، والأخبار، والأدب، كما كان له باعٌ في المنطق، وأجزاء من الفلسفة، علماً أنّ ابن حزم كان قد نشأ في بيت رفاهيّة، ونعيم؛ لأنّ والده كان أحد كُبراء مدينة قُرطبة، بالإضافة إلى أنّه عُرِف بذكائه الحادّ، وعقله السيّال، فكان له الكثير من الكُتب الثمينة، والقيّمة.1

ويُذكَر أنّ هناك العديد من المُصنَّفات المشهورة لابن حزم، وأكبرها كتاب "الإيصال إلى فهم كتاب الخصال"، وكتاب "الخصال الحافظ لجُمل شرائع الإسلام"، وله في الفقه كتاب "المُجلَّى"، وكتاب "المُحلَّى في شرح المُجلّى بالحُجج والآثار"، وكتاب "اختلاف الفقهاء الخمسة مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وداود"، وكتاب "التصفّح بالفقه"، كما أنّ له في الحديث كتاب "الجامع في صحيح الأحاديث"، وفي العشق كتاب "طوق الحمامة في الألفة والأُلّاف".1

كتاب طوق الحمامة في الأُلفة والأُلّاف

ألّف ابن حزم كتاب طوق الحمامة أثناء مكوثه في مدينة شاطبة، وذلك عام 417هـ، وكان قد نَهَج في كتابته للكتاب مناهج التجربة الشخصيّة، والمُلاحظة، والتحليل؛ ليصل إلى نتائجه، وذلك في أحاديثه العاطفيّة المذكورة في كتابه الطوق، والجدير بالذكر أنّ ابن حزم تطرّق في كتابه إلى الحديث عن الأمور التي تقود الإنسان، وتُسيِّرُه نحو كلّ شكل من أشكال الجمال في عواطفه النفسيّة، وذلك من خلال ردّ الظواهر إلى مصادرها النفسية، كما يُعَدّ الكتاب نتاجاً لمشاعر ابن حزم القويّة؛ فقد تمكّن من تدوين الحُبّ بأصنافه، وألوانه، فيقول في أحد علاماته: "ومن علامته لكلّ ذي بصر الانبساط الكثير الزائد، والتضايق في المكان الواسع، والمجاذبة على الشيء يأخذه أحدهما"، والمُتأمّلُ في تسجيلاته في صُنوف الحُبّ يعلم أنّها لا تُسجّل إلّا بقلم صاحب إحساس قويّ.2[3]

دواعي تأليف كتاب طوق الحمامة

كان الدافع الأوّلي لتأليف ابن حزم كتابه طوق الحمامة تحقيق رغبة صديقه الذي طلب منه أن يكتب له رسالة تُعنى في الحُبّ، وأسبابه؛ حيث أرادها رسالة تصف حقيقة الحب دون زيادة، أو نقصان، إلّا أنّ هذه الرغبة ما لبثت أن تحوّلت من اقتراح صديق إلى مَطلب حقيقيّ يتوافق مع إحساس ابن حزم بالراحة عند استرجاع الماضي، والعودة إليه، بالإضافة إلى شعوره بأنّه يقدّم في كتابه هذا رصداً لواقع الحياة الأندلسية آنذاك، وطبيعة العلاقات العاطفيّة، والاجتماعيّة فيها، كما كان لتفكير ابن حزم الدائم في المحافظة على الأهل، والولد، وصيانتهم بتحقيق الرزق من خلال ما يكتب دورٌ مهمٌّ في كتابة هذا الكتاب، أمّا ما ميّزه في دراسته هذه بالإضافة إلى عُمقها، الاعتراف، والصراحة.[4]

شرح عنوان كتاب طوق الحمامة

يحتوي عنوان الكتاب على دلالات تجمع بين ما هو ثابت، ومُتغيّر؛ فالألفاظ فيه تتجاوز معناها السطحيّ إلى ما تحمله من سياقات دلالية عميقة؛ فكلمة (الطوق) في تركيبها، ومعناها السطحيّ تشير إلى أنّه حبّات مُكرَّرة لها الشكل نفسه غالباً، فمهما كان شكل الطوق، أو تركيبه -كطوق الياسمين، أو طوق اللؤلؤ مثلاً-، فسيبقى مجموعة من الوحداث المصفوفة بشكل مُتماثل، ونَسق ثابت تُشكِّل فيه كلّ وحدة منفردة بداية، ونهاية في الوقت نفسه، تماماً كما هو الحال في مواضيع الكتاب، أمّا دلالته الأخرى التي تتعلّق بمحتوى الكتاب فهي تتعلّق بتقديمه العواطف، والحالات الشعوريّة على أنّها كالطوق في تكرارها، وتواتُرها.[5]

أمّا كلمة (الألفة) بدلالتها فترتبط مع لفظة (الطوق)؛ وذلك في كونها تحمل معاني الثبات، والتكرار؛ فالألفة تنشأ عندما يُصبح الشيء عادة عند الإنسان، بينما يعتقد الكثيرون أنّ في لفظة (الأُلّاف) لفظة الجمع التي تُشتَقّ من (الألفة)، والإنسان بانتقاله من لفظة (الألفة) إلى لفظة (الأُلّاف) يوحي إلى القارئ أنّهما يفيدان نفس الحالة، والمعنى، إلّا أنّ هناك اختلافاً بينهما؛ فلفظة (الأُلّاف) تحمل معنى التعدُّد، والتغيير؛ بسبب معناه الصرفيّ، في حين أنّ لفظة (الألفة) تحمل معاني الثبات، والسكون، وهذه هي الحركات الدلاليّة التي تتراوح بين الثبات، والتغيير والتي يُريدها ابن حزم في كتابه.[5]

أبواب كتاب طوق الحمامة وموضوعاته

يتناول كتاب طوق الحمامة ثلاثين باباً مُقسَّماً؛ حيث تناول في عشرة منها أصول الحُبّ، وتطرّق فيها إلى الحديث عن تدرُّجاته، فجاء باب الصلة في النوم أخفّها، فيما عُدَّ باب الصلة في الواقع أقواها، كما شمل الكتاب اثني عشر باباً في أغراض الحُبّ؛ المحمود منها، والمذموم، وقد أُضيفت إلى هذه الأغراض كلّ صفة، ونقيضها، ولم يخلُ الكتاب من الحديث عن آفات الحُبّ الداخلة فيه، وهي ستّة أبواب، فيما ختم ابن حزم كتابه بالحديث في آخر بابَين عن فضل التعفُّف؛ ليكون الحُبّ مُرتبطاً بالتديُّن ارتباطاً يُفضي إلى الحضّ على طاعة الله، وذِكر القُبْح الذي تأتي به المعصية.[4]

صنّف ابن حزم الكتاب على نحو متسلسل كما ذُكِر سابقاً، إلّا أنّه أشار إلى أنّ هناك أربعُ آفات للحبّ لا أضداد لها من أعراض الحبّ، وهي أربعة أبواب وردت كالآتي: باب الرقيب، وباب الواشي، وباب البَيْن، وباب السلو، وقد أورد ابن حزم الأبواب كلّها على نحو مُتتالٍ بلا تصنيفات تندرج تحت عناوين رئيسيّة كما ذكر في بداية الكتاب؛ إذ يسترسل في ذِكر الأبواب بحسب رؤيته، وفيما يلي تصنيفات أبواب الحبّ؛ تِبعاً لمواضيعها كما أوردها ابن حزم في مقدّمة كتابه:[6]

أبواب أصول الحُبّ


يُعرِّف ابن حزم الحُبّ في باب ماهيّة الحبّ فيقول: "الحُبّ -أعزّك الله- أوله هزل وآخره جِدّ، دقَّت معانيه لجلالتها عن أن تُوصف، فلا تدرك حقيقتها إلّا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عزّ وجلّ"، وفيما يلي أبواب أصول الحبّ العشرة:[6]
  • الكلام في ماهيّة الحب: وهو يصف في هذا الباب الحُبّ، ويُعرِّفه، ويذكرُ فيه قصصاً مختلفة، وممّا يقوله في الحبّ أنّه داء، ودواء في الوقت نفسه، وأنّ الأمر يعتمد على مقدار المُعاملة، وكيف أنّه قد يبلغ مرحلة لا يتمنّى فيها المُحبُّ الإفاقة من علِّته، وأنّ المرء قد يرى ما كان لا يُطيقه مُزيَّناً له، وأنّ كلّ شيء صعب يسهلُ في عينيه، وممّا قال فيه: "وقد اختلف الناس في ماهيّته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنّه اتِّصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع".

  • باب علامات الحب: ويذكرُ ابن حزم فيه العديد من علامات الحُبّ، أوّلها إدامة النظر، والإقبال على الحديث، والإنصات الجيّد، كما يُعَدّ الإسراع إلى مكان المحبوب علامة على الحُبّ، وتعمُّد الجلوس على مقربة منه، كما أنّ البكاء من علامات الحُبّ، إلّا أنّ المُحبّين يتفاضلون فيه؛ فمنهم من هو غزير الدمع، ومنهم من هو عديم الدمع، ويصف ابن حزم نفسه بأنّه من النوع الثاني الذي لا تدمع عينه، وممّا قال فيه: "والعين باب النفس الشارع، وهي المُنقّبة عن سرائرها، والمُعبّرة لضمائرها والمُعربة عن بواطنها".

  • باب من أحبّ في النوم: وهو الأهون، والأسهلُ في الحُبّ في نظر ابن حزم؛ فالمُحبّ يُكثِر من رؤية محبوبه في أحلامه، وممّا قال فيه: "من الخطأ العظيم أن تشغل نفسك بغير حقيقة، وتُعلّق وهمك بمعدوم لا يُوجد".

  • باب من أحبّ بالوصف: وهو من أغرب أصول الحُبّ؛ لمحبّتك أحدهم دون معاينته، ولهذا تأثير ظاهر في النفس، وممّا جاء فيه: "فإنْ وقعت المعاينة يوماً ما فحينئذ يتأكّد الأمر أو يبطل بالكُلّية".

  • باب من أحبّ من نظرة واحدة: ويرى ابن حزم في هذا الباب أنّ النظرة الواحدة هي دليل على قلّة الإبصار، وأنّ هذا مُؤذِن بالملل، وسرعة فناء هذا الحُبّ كحال كلّ شيء ينمو سريعاً، فقال في ذلك: "وأبطؤها حدوثاً أبطؤها نفاذاً".

  • باب من لا يحبّ إلا مع المطاولة: ويتحّدث فيه عن الحبّ الذي لا يأتي إلّا بالمخالطة، وكثرة المُجالسة، والمُلازمة، ويُقارن بينه وبين الحبّ من النظرة الواحدة، وممّا جاء فيه: "وهذا الذي يُوشك أن يدوم ويَثْبُت، ولا يَحِيك فيه مُرُّ الليالي، فما دخل عسيراً... لم يخرج يسيراً".

  • باب التعريض بالقول: وفي هذا الباب يتحدّث ابن حزم عن التلميح، والتورية في الإفصاح، والقول، وفي كونها أوّل ما يستعمله المُحبّون في كشف حبّهم، وقد يكون هذا بالشِّعر، أو الكلام، أو حتى طرح لغز ما، وممّا قال فيه: "وإنّي لأعرف من ابتدأ كشف محبّته إلى من كان يحبّ بأبيات قلتها".

  • باب الإشارة بالعين: ويصف ابن حزم دلالات حركات العيون المختلفة في هذا الباب، وممّا قال فيه: "فالإشارة بمُؤخّر العين الواحدة نهي عن الأمر، وتفتيرها إعلام بالقبول، وإدامة نظرها دليل على التوجّع والأسف، وكسر نظرها آية الفرح".

  • باب المراسلة: ويشرح في هذا الباب كيف أنّ المحبّ إذا علم وصول كتابه إلى محبوبه شعر بلذّة عجيبة، وأنّ هذه اللذة تكون في مقام الرؤية عنده، وكيف أنّ في ردّ المحبوب لقاء، وممّا قال فيه: "ولعَمْري إنّ الكتاب للسان في بعض الأحايين".

  • باب السفير: ويتحدّث هذا الباب عن ما يستعمله المُحبّون في مراسلاتهم مع من يُحبّون، وأنّهم كانوا يميلون إلى إرسال من كان ذا هيئة رَثّة، أو سِّن مُتقدّم؛ وذلك لبُعدهم عن مواطن الشُّبهة، والشكوك، وممّا قال فيه: "ما أكثر هذا في النساء ولا سيّما ذوات العكاكيز والتسابيح".


أبواب أعراض الحُبّ


أعراضُ الحُبّ كما يقول ابن حزم في مقدّمته للكتاب "مُتباينةٌ في الزيادة والنُّقصان"، وهي لا تتحدّد بالكمّ، والتجزئة، وقد أوردَ المذموم منها، والمحمود، وهي على النحو الآتي:[6]
  • باب المساعد من الإخوان: إذ يُعَدّ الصديق المُخلص أحد الأمور التي يتمنّاها الإنسان في الحُبّ، ويصفه ابن حزم قائلًا: "لطيف القول، بسيط الطول، حسن المآخذ، دقيق المنفذ، مُتمكّن البيان، مُرهف اللسان، جليل الحلم، واسع العلم، قليل المخالفة، عظيم المساعفة شديد الاحتمال صابراً على الإدلال، جمّ الموافقة، جميل المخالفة، مستوى المطابقة، محمود الخلائق، مكفوف البوائق، محتوم المساعدة، كارهاً للمباعدة، نبيل المدخل...".

  • باب الوصل: ويصف في هذا الباب كيف أنّ وصل المحبّ لمحبوبه هو الصفاء الذي لا يشوبه الكدر، وأنّه الحظّ الوفير، وممّا قال فيه: "من وجوه العشق الوصل، وهو حظّ رفيع، ومرتبة سرية، ودرجة عالية".

  • باب طيّ السرّ: إذ يذكر هذا الباب أنّ الكتمان باللسان صفة في الحُبّ؛ فالمحبّ يتصنّع بالصبر دائماً، وأنّ الحركات، والعين، والتمويه كفيلة بهذا النوع من الحبّ، وأنّ الخوف من شيوع الأمر قد يكون أحد أسباب هذا النوع من الحبّ، وممّا قال فيه: "وأمّا المحبّة فخلقة، وإنّما يملك الإنسان حركات جوارحه المُكتسبة".

  • باب الكشف والإذاعة: يعرض هذا الباب أنّ المحبّ إن غلبه حبّه للمحبوب أودى ذلك به إلى الكشف، بل ويجعله يجهر حتى وإن وُجِد الحياء؛ لأنّه لا يملك أن يتصرّف في نفسه، وممّا قال فيه: "وكم مصون الستر، مُسبِل القناع، مسدول الغطاء قد كشف الحبّ ستره".

  • باب الطاعة: في هذا الباب يذكر ابن حزم أنّ المُحبّ قد يقع في طاعة محبوبه، وأنّ هذا من عجيب ما يقع فيه، وكأنّ الأمر في الطاعة قسريّ، وكان ممّا قال فيه: "ولا يقولنّ قائل إنّ صبر المحبّ على دلة المحبوب دناءة في النفس فقد أخطأ".

  • باب المخالفة: يذكر ابن حزم في هذا الباب أنّ المُحبّ ربّما يتّبع شهوته، وأنّه يقوم بالأمور التي تأتي بسعادته، سواء كانت دون رضى تامّ منه، أو عن رضى، وممّا قال فيه: "ومن ساعده على الوقت هذا وثبت جنانه وأتيحت له الأقدار استوفى لذته جميعها".

  • باب من أحب صفة لم يستحسن بعدها غيرها ممّا يخالفها: يذكر في هذا الكتاب أنّ المُحبّ قد يستحسنُ ما عند محبوبه ما لا يحبّه الناس، وأنّ هذا أمرٌ حقيقيّ، ولا تصنُّع فيه، ومن الأمثلة التي أوردها ابن حزم في هذا الباب قوله: "وعنّي أخبرك أنّي أحببت في صباي جارية لي، شقراء الشعر فما استحسنت من ذلك الوقت سوداء الشعر، ولو أنّه على الشمس أو على صورة الحُسن نفسه".

  • القنوع: وفي هذا الباب مواساة للمحبّ إذا حُرِم الوصل؛ تعليلاً للنفس، وتجديداً للأمنيات، وراحةً للنفس، وممّا قال فيه: "ولا بُدّ للمُحبّ، إذا حُرم الوصل من القنوع بما يجد".

  • باب الوفاء: وفي هذا الباب ذِكْرٌ لأهميّة الوفاء في الحُبّ؛ لكونه الدليل على الأصل الطّيب، وقد ذكر ابن حزم فيه مراتب للوفاء على الترتيب: الوفاء لمن أوفى، ثمّ الوفاء مع الغدر، ثمّ الوفاء مع اليأس، وممّا قال في آخر مراتب الوفاء: "وإنّ الوفاء في هذه الحالة لأجلّ وأحسن منه في الحياة ومع رجاء اللقاء".

  • الغدر: ذُكِر في هذا الباب أنّ الغدر من ذميم الصفات، ومكروهها، على عكس الوفاء تماماً، وممّا قال فيه: "من قبيح الغدر أن يكون للمحب سفير إلى محبوبه يستريح إليه بأسراره فيسعى حتى يقلبه إلى نفسه ويستأثر به دونه".

  • الضّنى: يتّحدث ابن حزم في هذا الباب عن الحال التي يكون فيها المحبّ الصادق من العِلل، والنُّحول، وذلك بسبب عدم وصاله المحبوب إلى حين وصوله مرحلة المرض، وممّا قال فيه: "والأعراض الواقعة من المحبّة غير العلل الواقعة من هجمات العلل، ويميّزها الطبيب الحاذق والمُتفرّس الناقد".

  • الموت: يذكرُ ابن حزم فيه كما قِيل في الآثار: "من عشق فعفّ مات وهو شهيد"، وأنّ الحُبّ قد يكون سبباً لمفارقة الدّنيا.


أبواب آفات الحُبّ


وهي الآفات الستّة الداخلة في الحبّ، وذلك بحسب رؤية ابن حزم، ولها أضداد في الأبواب السابقة، وهي كالآتي:[6]
  • العاذل: يصف ابن حزم العذل بأنّه "آفة الحُبّ الأولى"، وأنّ له أشكالاً عديدة، وممّا قال فيه: "ولقد رأيت من اشتدّ وجوده وعَظُم كلفه حتى كان العذل أحبّ شيء إليه".

  • الرقيب: يصف ابن حزم في هذا الباب الرقيب بجملة "الحمّى باطنة"، وكما يرى أنّ له أشكالاً مختلفة، كالإنسان الذي يُلازمك في جلوسك، وممّا قال فيه: "وأشنع ما يكون الرقيب إذا كان ممّن امتحن بالعشق قديماً".

  • الواشي: يصف ابن حزم في هذا الباب الوشاة وكيف يختلفون، فعَمد إلى تقسيمهم، كما يرى ابن حزم أنّ الكلام الذي يُقال على لسان الوشاة يكون للمحبوب في الغالب، وممّا قال فيه: "لكن الناقل من كان تنقيله غير مُرضٍ في الديانة، ونوى به التشتيت بين الأولياء".

  • الهجر: يصف ابن حزم في هذا الباب الهجر في ضروب مختلفة، ومنها الهجر الذي فيه التحفُّظ على ما بين المحبوبين، وممّا قال فيه: "فحينئذ يظهر المحبوب هجراناً ليرى صبر مُحبِّه".

  • البَيْن: يشير ابن حزم في هذا الباب إلى أنّ الفراق عند المحبّ حاله حال الموت، كما أنّ الموت حاله حال الفراق، ويُقسّم في هذا الباب البَين إلى حالات، ودرجات، وممّا قال فيه: "وإن للأوبة من البين الذي تشفق منه النفس لطول مسافته وتكاد تيأس من العودة فيه".

  • السلو: يُصنّف ابن حزم في هذا الباب السلو إلى مذموم، ومحمود، ويقول فيه أنّ السلو المُتولّد من الهجر ما هو إلّا يأس، وممّا قال فيه: "وثلاثة لا يذمّ السالي فيها على أيّ وجه كان ناسياً، أو مُتصبّراً، وهي النفار والجفاء والغدر".


أبواب الخِتام


يختتم ابن حزم رسالته في الحبّ بِبَابيْن اثنين يرى فيهما أفضل ما يُختتَم به، وقد ذكر ذلك في مُقدّمة الرسالة، حيث قال: "ليكون خاتمة إيرادنا، وآخر كلامنا الحضّ على طاعة الله عزّ وجل، والأمرُ بالمعروف والنهي عن المُنكر، فذلك مُفترض على كلّ مؤمن". والبابان هما:[6]
  • باب قبح المعصية: يُحذّر ابن حزم في هذا الباب من الشهوات التي تطال الإنسان، وأنّ على الإنسان أن يتذكّر دائمًا أنّ النفس أمّارة بالسوء، وممّا قال فيه: "فما حرّم الله شيئاً إلّا وقد عوّض عباده من الحلال".

  • باب فضل التعفُّف: يذكر ابن حزم في هذا الباب أنّ التعفُّف أفضل ما يكون عليه المرء في حبّه، وعن الخوف من الله، والتحذير من يوم الميعاد، وممّا قال فيه: "ومن عرف ربّه ومقدار رضاه وسخطه هانت عنده اللذات الذاهية والحطام الفاني".

أسلوب ابن حزم في كتاب طوق الحمامة

يتميّز ابن حزم بامتلاكه سمات أسلوبيّة في كتاباته، وبكونه صاحب نظرة نقديّة ثاقبة، فدائماً ما كان أسلوبه يُعرف بالسلاسة، ومن هذه الأساليب، وأكثرها وضوحاً استشهاده بكتاب الله، والحديث النبوي؛ لامتلاكه ثقافة دينيّة واسعة، وهو يتميّز أيضاً بالفلسفة التي تتّضح في كتابه طوق الحمامة، وقد وضع فيه خليطاً من الفلسفة، والنصوص الدينيّة الإسلاميّة، فيما كان يلجأ في بعض الأحيان إلى أقوال السلف؛ لتكون حُجّة، وبرهاناً على قوله.7

ومن الأساليب التي اتّبعها ابن حزم في كتاباته اعتماده على العقل، ونرى هذا في قوله: "وقسّمت رسالتي هذه على ثلاثين بابًا..."، فكانت دراسته للحُبّ دراسة علميّة، وتعتمد على الواقعيّة؛ إذ نرى القصص التي ذُكرت في الكتاب حقيقيّة، وأغلبها تتعلّق بأهل الأندلس، وهذا يجعل الكتاب بعيداً عن الأمور الوهميّة، والخيالية.7

التقنيات السرديّة في طوق الحمامة لابن حزم

اعتمد ابن حزم في كتابه طوق الحمامة العديد من التقنيات السردية، وأهمّها ما يأتي:2

  • السرد: وهو الآليّة التي تُروى بها الرواية، أو القصّة؛ فَتَحديد الطريقة هو مفهوم السرد؛ لاختلاف الطُّرق المُمكنة في رواية المحتوى، وتخضع هذه الكيفيّة إلى مجموعة من المُؤثّرات المختلفة؛ فمنها ما يتعلّق بالراوي، ومنها ما يتعلّق بالمرويّ له، ولقد اعتمد ابن حزم الأساليب المُتعارف عليها عند أهل الحديث، واللغة في السرد، مُتّخِذاً مسالك تدوين الأخبار، والتحقُّق من الروايات أسلوباً في كتابته، ويظهر هذا في كتابه فيجده القارئ يُكثر من قول:"حدَّثَني، وأخبرني".

  • تعدُّدية الضمائر: يلحظ القارئ في كتاب طوق الحمامة كثرة استعمال الضمائر، وتعدُّدها، ومن الضمائر المُستعملة في النص السرديّ:
    • ضمير الغائب: وهو أكثرها استعمالاً؛ لأنّه يُظهِر باستخدامه أسلوباً جيّداً يُمكِّن السارد من الاختباء خلفه، والتعبير عمّا يدور في عقله من أفكار بصيغة الغائب، والفصل بين الزمان الذي وقعت فيه الرواية عن زمن الكاتب نفسه.

    • ضمير المُتكلِّم: وهو النوع الثاني من حيث كثرة وروده في الناحية السرديّة، وأهميّته، ويظهر استخدام ابن حزم له في الطوق واضحاً؛ ففي باب البين يتحدّث ابن حزم بصيغة المُتكلِّم، ومُتحدِّثاً عن نفسه، ولاستخدام هذا الضمير انعكاس جيّد عند المُتلقِّي؛ فهو يُقرّبه من السارد، ويجذب انتباهه للحديث.

    • ضمير المخاطب: وهو أقلّ الضمائر ذِكراً في طوق الحمامة؛ ليتناسب مع سرد ابن حزم لقصصه، وحكاياته.

  • تنكير الشخصيّة: وهو أسلوب سرديّ يُعطي للسارد حريّة، وخيالاً واسعَين لتطوير الأحداث، ويُشجّع السارد على سرد الأحداث، وخلطها معاً؛ ليعطي بُعداً قصصيّاً للشخصيّات، كما يحرص ابن حزم على عدم ذكر أسماء الشخصيّات التي يَرِد ذِكرها في قصصه، ولا بالإشارة إليها حتى؛ بُعداً عن التشهير فيهم، وكتماً لأسرارهم، كما كان لتغييب أسماء الشخصيّات في حكاياته أثر في إقناع المُتلقِّي ببُعده عن المساس بأعراض الناس، بالإضافة إلى الحرّية في التعبير عن مشاعر الناس بشكل يسير، وعن مشاعره كذلك دون مُساءلة.

  • الحوار: وهو ما يجري بين شخصَين، أو أكثر من حديث، وإن كان الحوار خارجيّاً يُسمّى ديالوج، أمّا ما يكون حديثاً داخليّاً مع النفس فيُسمّى مونولوج، وهناك العديد من الأمثلة على الحوار في كتاب الطوق على اختلاف نوعَيه بين الشخصيّات، ومن أشهر أنواع الحوارات الأدبيّة القصصيّة تداوُلاً الحواراتُ المباشرة، وقد حرص ابن حزم على نَقل الحوارات كما هي بصيغتها، وألفاظها، إلّا أنّ هذا لم يمنعه من إضافة نظرته الخاصّة حول القصّة.
    • الحوار الداخليّ: وهو الحوار الذي يرى فيه ابن حزم أنّه سَيل من المشاعر، والأفكار، وأنّه حوار لا يخضع للزمان، أو المنطق؛ فهو وليد اللحظة الشعوريّة، ويَكثرُ هذا الأسلوب في طوق الحمامة؛ لِما للحوار من أهمّية في التعبيرعن مكنونات البشر، ونُفوسهم، وقدرة على التعبير عن مستواهم الاجتماعيّ، والثقافيّ كذلك.

    • لغة الحوار: لقد كانت لغة الحوار أحد الأساليب التي لجأ إليها ابن حزم أثناء تناوله متن الحكايا، لا سيّما في تلك الحوارات المتداخلة بين الحوار الداخليّ، واللغة السرديّة؛ ولذلك نجد استغناء ابن حزم في بعض المواضع عن السرد، أوالوصف أثناء عَرضه قصصَه؛ لتوسعة آفاق المُتلقّي نحو الأفكار، والخيالات.

  • الاسترجاع أو السرد الاستذكاريّ: وهو عودة السارد في حديثه إلى الماضي، إلى حدث سابق في القصّة التي يرويها، ومن أمثلة هذا حديثه عن نفسه، وعمّا أصابه، وما ابتُلِي به من أمور، واستعمال هذا الأسلوب من استحضار الأحداث السابقة بمشاعرها يُولّد لدى القارئ تعاطُفاً معه، وخاصّة عندما يستحضر السارد همومه أثناء حديثه عن هموم غيره، بالإضافة إلى ما يحمله من تشويق للقارئ لمعرفة المزيد، وما يزرع فيه من فضول لإكمال القصّة.

  • الوصف: وهو بحسب كتاب بناء الرواية "أسلوب إنشائيّ يتناول ذكر الأشياء في مظهرها الحسّي وتقديمها للعين"، وقد كان وصف ابن حزم في كتابه وصفًا تلميحيّاً؛ فكان يعتمد الإيحاء في وصف الأحداث، ويسرد أثرها في نفسه كذلك، وكان يتطرّق إلى الإحساس الذي ينبعث من الأشياء، ويُظهرها للمُتلقّي سَرداً، وتعبيراً، كما استخدم ابن حزم أساليب وصفية عدّة في طوق الحمامة، كان أوّلها الوصف التصنيفيّ الذي يتطرّق فيه إلى التفاصيل، والآخر هو الوصف التعبيريّ الذي استخدمه بشكل أكبر؛ لأنّ الكتاب رسالة اجتماعيّة، وعاطفيّة تُعنى بالإحساس، والحُبّ، أمّا النوع الثالث فهو الوصف الموضوعيّ الذي يعتمد فيه الكاتب على الموضوعيّة في وصف تفاصيل المكان، أو الشيء دون الخوض في تفاصيل حالته الشعوريّة تجاههما، على عكس الوصف التعبيريّ.

أثر البيئة الاجتماعيّة في كتاب طوق الحمامة

يتجلّى أثر البيئة الاجتماعية التي عاش فيها ابن حزم في مظاهر عدة ميّزت نتاجه الأدبيّ، وهي:

  • قوة اللغة العربيّة: فكانت اللغة رغم ذلك التنوُّع، والاختلاط قويّة لم تؤثّر فيها الأعجميّة، بل جمعت ذلك التفرُّق في ثقافة واحدة، وهذا يظهر واضحاً في سلاسة التعبير في الكُتب، حيث يقول ابن حزم إنّه لو تمّت المقارنة بين الأساليب المُتَّبعة في الكتابة في الأندلس في القرنَين: الخامس، والسادس الهجريَّين، مع مثيلتها في المشرق لَوُجِد الفرق في الأسلوبَين؛ ولذلك رأى ابن حزم أنّ الكُتب بما فيها كتب الفقه، والأصول طالها التعبير، وفنونه، الأمر الذي يتّضح في كتابة طوق الحمامة.[3]

  • ظهور النساء الأديبات والجواري المُثقَّفات: فقد ظهر عدد كبير من النساء في المجالات الأدبيّة، والعلميّة، فكان منهنّ من تجيد الكتابة إجادة المُختصّين المُتفرِّغين، ممّا كان له أثر في كتاب طوق الحمامة، ويذكر ابن حزم فيه الكثير من أخبار الجواري من ذوات الأثر الاجتماعيّ، فكان الكتاب شاهداً على ثقافتهنّ الواسعة، والناظر في كتاب الطوق يرى الكثير من القصص التي أُغرِم فيها العلماء من رؤيتهم جارية في طريقهم، وذلك بحُكم تناول الكتاب أمورَ الحبّ، وصُنوفه قصصاً.[3]

  • أثر الجوّ الاجتماعيّ: اعتمد ابن حزم في كتابة مُصنَّفه طوق الحمامة على المجتمع الأندلسيّ؛ وذلك لاستقراء الحوادث، وكانت قد برزت في تلك البيئة آنذاك العواطف، والأهواء القويّة، وكان لاختلاط أعراق الناس، وأديانهم أثر في انبعاث فكر ابن حزم، فمثلما كان يكتب في الفقه، والعقائد، أصبح يكتب في الحُبّ. وللتنوُّع المجتمعيّ، واختلاف السُّلالات، والعناصر الاجتماعيّة دور في تنوُّع المجالس بين الأدب، واللهو؛ فكلٌّ له خصائصه، فهناك العرب، والأمازيغ، والصقالبة، وغيرهم، وهذا جعل من المجتمع مجتمعاً مُختلَطاً، ممّا جعل التحام الاتِّصال بينهم نتيجة واضحة لهذا، وبهذا التنوُّع ازدهرت الحضارة.[3]

  • أثر البيئة النسويّة: كان للبيئة النسويّة التي عاش فيها ابن حزم دور مهمّ في معرفته مواطن الحُبّ، والجمال؛ فكانت مِحراكاً لوجدانه يكتب فيها، كما كان لعدم التمييز بين الرجل والمرأة من الناحية الإنسانيّة دور في إدخال المرأة في أمور الحياة، والتعامُلات، وذلك ضمن ما أوجبته الحدود، و بِمُوجب طبيعة المرأة، وفطرتها.[3][8]

المراجع