رصدُ أكثر عوالم المجرَّةِ غموضًا: الكواكبُ المارِقة

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  04-12-2020
رصدُ أكثر عوالم المجرَّةِ غموضًا: الكواكبُ المارِقة


تدورُ معظمُ الكواكبِ المعروفةِ حولَ نجم...
تستفيد هذه الكواكبُ -كالأرض، مثلًا- من دفء النجمِ وضوئه، والضوء المنبعثُ من هذه النجومِ هو الذي يجعلُها مرئيَّة.
بالرغم من ذلك، تُوجَدُ كواكب غيرُ مرئيَّةٍ مخفيَّةٌ عن أنظارنا، تسبَحُ مهجورةً عبر الكون. ليس لدى هذه العوالمِ المظلمةِ والوحيدةِ نجمٌ لتدُورَ حَوله ولا ضوء لتنعمَ بنُوره ولا دفء لتُشِعَّه؛ إنها الكواكبُ المارِقة، وقد وجد علماء الفلك كوكبًا جديدًا منها يبلغُ حجمُهُ نحوَ حجمِ الأرض.
تتكوَّنُ هذه الكواكب من الحطامِ المتبقِّي بعد ولادة نجمٍ ما. تدور هذه الكواكب حول النجمِ حديثِ الولادةِ في قرصٍ رفيعٍ من الذرَّات والغاز، وتنمو عندما تلتصق هذه الجزيئات الصغيرة وتجذب بعضها بعضًا حتى يصبح الفضاء المحيط بها نظيفًا. تسير الأمور بطريقةٍ فوضويَّةٍ في هذا العالم، والتصادمات بين أجنّة الكواكب (الكواكب الأولية) شائعة، فالنجوم لا تميل إلى تشكيل نفسها وحدها، بل إنها في مجموعات من المئات أو الآلاف في وقتٍ واحد، وتسبِّبُ المواجهاتُ بين أنظمةِ الكواكبِ الوليدةِ مزيدًا من الفوضى.
يُعتقَدُ أن الأرضَ -في بداية نشأتها- اصطدمَت بجسمٍ بحجم كوكب المريخ، فأدَّى ذلك إلى تدميرِ ما يكفي من الموادِّ لتشكيل القمر، لكن واجهت بعضُ الكواكبِ مستقبلًا أكثرَ قتامة، فقد قُضِيَ عليها تمامًا وكان مصيرها الحياة في برودة الفضاء الشاسع بين النجوم؛ هذه هي الكواكبُ المارقةُ العائمةُ بحُرِّيَّة.
 



عندما تكون الكواكبُ صغيرةً جدًّا -ولنَقُلْ أن عمرَها بضعة ملايين سنين، علمّا بأن عمرَ الأرضِ يبلغ أكثر من 4.5 مليار سنة- تكونُ دافئةً، فهي تستمدُّ الدفء من تكوينها ومن الطاقة المنبعثة من تقلُّصِ الجاذبية المستمرِّ والنشاط الراديويِّ في نواتها.
لقد شُوهِدَت أمثلةٌ كثيرةٌ لمثلِ هذه الكواكب الصغيرة العائمة -مثل كوكب المشتري الصغير- مباشرةً في المناطق التي سبق أن تكوَّنت فيها النجوم قُبَيلَ فترةٍ قصيرة، أما بالنسبة للعثور على كواكب مارِقة بحجمٍ أصغر، فكان أمرًا شبهَ مستحيلٍ إلى أن اكتُشِفت العدسة.
عدسة الجاذبية


أيُّ شيء له كتلة يثني الحيِّزَ الفضائيَّ ويؤدي إلى انحراف الضوء عن مسار مستقيم. ينتج عن هذه العملية تركيز الضوء على هذا الجسم ذي الكتلة من مصدرٍ ما خلفه، موسعًا الرؤية مثل عدسة مكبرة ضخمة، هذا ما يُسمَّى بعدسة الجاذبية. تنبأ آينشتاين به من خلال نظرية النسبية العامَّة، وتحقق منه لأول مرة عندما لاحظ النجومَ مبتعدةً عن مواقعها المعتادة، إذ شاهدها بالقرب من الشمس بينما كان القمر يخفيها تمامًا بخسوفه في عام 1919.
لوحظ تأثير عدسة الجاذبية في المجرات المكوَّنة من تريليونات النجوم التي نشأت بسبب الكميات الهائلة من المواد الموجودة بين المجرات والنجوم التي تصطف مع النجوم الأخرى بعيدًا عن الأنظار. كانت إحدى عمليات الرصد في عام 2019 ناتجة عن ثقب أسود في مجرة ضخمة مجاورة تسمَّى مسييه 87 (Messier 87). لذلك فإن الكوكب المارق غير المرئيِّ بإمكانه أن يعمل كعدسة جاذبية أو عدسةٍ دقيقة، لأنه يمكن أن يكون بحجمٍ صغيرٍ جدًّا.
نُسب رصدُ أحدِ أحداث العدسة الدقيقة إلى الكوكب المارق الجديد المسمى OGLE-2016-BLG-1928، إذ استغرقت رؤية تضخم الضوء الصادر عن نجمٍ غير واضح في المناطق الداخلية الكثيفة لمجرة درب التبانة 42 دقيقةً فقط.
 



هذا يعني أنه كان يجب أن يكون جسمًا صغيرًا، ولكن لم تترك كتلته المُقدَّرة أي شك في أنه يجب أن يكون كوكبًا لا يختلف بحجمه كثيرًا عن الأرض. لم يُعثَر على ارتباطٍ بين الكوكب الذي رُكِّز الضوء عليه بواسطة العدسة ونجمٍ ما.
عُثِر على كواكب مارقةٍ عبر تركيز الضوء عليها بواسطة العدسة من قبل، ولكن هذه إحدى أكثر الحالات إقناعًا. إن كوكب OGLE-2016-BLG-1928 هو أصغر كوكبٍ مارقٍ عُثر عليه على الإطلاق، إضافةً إلى كونه الأقرب إلى الأرض.
هل يمكن لكوكب الأرض أن يصبح كوكبًا مارقًا؟


تثير أعدادٌ كبيرة من الكواكب المارقة التي تعبر مجرتنا أسئلةً مثيرة للاهتمام. هل يمكن أن تكون قد نشأت الحياة وبقيت أو استقرت على مثل هذه العوالم؟ قد نتساءل عمّا إذا كانت الحضارات المتقدمة تقنيًّا تستطيعُ التغلَّب على مشاكل الظلام الأبديِّ والعصر الجليدي دون مقارنتها بتاريخ الأرض الطويل والمتنوع، وهل سخّروا الطاقة النووية أو أصبحوا غير بيولوجيين تمامًا؟
يبدو هذا أشبه بفيلم خيالٍ علميّ، لكن ما هي فرص اصطدام الأرض بمثل كوكبٍ كهذا بالصدفة؟ هذا أمرٌ لا يمكن تصوره!
كانت الكويكبات المارقة مثل أومواموا (Oumuamua) والمذنبات المارقة مثل بوريسوف (Borisov) تتنقل عبر نظامنا الشمسي، وذلك خلال العامين الماضيين فقط. من غير المحتمل أن يمر كوكب مارق من جانبنا عن قرب. لكنه ليس خيارًا بعيدًا عن مجال الاحتمالات.
لقد نجت الأرض حتى الآن من الإبعاد عن الشمس. ولكن في يوم من الأيام، وفي غضون أربعة مليارات سنة يمكن أن تصبح الأرضُ كوكبًا مارقًا، لأنه مع تقدم الشمس في العمر، تتضخم ويحترق نصفها في الفضاء، لذلك إما ستبتلع الأرض أو ستُجبرها على الابتعاد، ولكن من غير المرجح أن تتلاشى جاذبيتها تمامًا. لذلك عندما تتحلل الشمس الميتة إلى قزم أبيض مشتعل فستواجه الأرض مصيرًا مشابهًا لتلك العوالم المظلمة والباردة الأخرى.
لن تكون وحيدةً تمامًا، ولكنها ستكون بعيدةً عن مدار نجمها الدافئ والمُشرق!