صارح نفسك: هل مهنتك الحالية هي الأفضل لك بالفعل؟

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/01
صارح نفسك: هل مهنتك الحالية هي الأفضل لك بالفعل؟

مقال بواسطة/ حسام حمد، من سوريا


تعتبر المهنة معرّفاً أساسياً لأي إنسان، تقدم نفسك من خلالها كلما تتعرف إلى شخص جديد، وأحياناً قبل اسمك حتى! فتقول: “المحامي فلان”، أو “المهندس فلان”.


المهنة جزء أساسي من تعريفك لنفسك وتعريف الآخرين لك، وهي أول ما يذكر عندما تقدم أصدقاءك للآخرين، أو تذكر أحدهم بآخر، فلا يخفى على أحد أهمية المهنة أو اختيار فرع الدراسة وتأثيره الأساسي على شخصيتك وحياتك ونظرتك للحياة ونظرة الآخرين لك.


تكتسب المهنة أهميتها أيضاً من التصاقها بك أحياناً طوال حياتك، وكثيراً ما يصعب على الإنسان تغيير مهنته أو دراسته بعد البدء بها، وتزداد الصعوبة مع تقدمه في العمر. وتحدد مهنتك في كثير من الأحيان نمط حياتك المستقبلي، من ساعات العمل وظروفه إلى اختيار مكان الإقامة. وتتدخل حتى في علاقتك مع عائلتك، وتسمح لك أو تمنعك من قضاء وقت كاف معهم.


يكون من المؤلم -والحال هذا- أن كثيراً من الشباب -خصوصاً في عالمنا العربي- يقضي وقتاً أطول في اختيار الكمبيوتر أو الجوال من الوقت الذي يقضيه في اختيار مهنة عمره، يساعده على ذلك نظام تعليمي متخلف ابتليت به كثيرٌ من دولنا العربية، بالإضافة إلى منظومة قيم اجتماعية توحد الأهداف عند الناس مهما اختلفوا، فتجد جيلاً كاملاً من الأطفال يريد أن يصبح “دكتور” حتى قبل أن يعرف معنى الكلمة.


ما هي إذاً مهنتك الحالية أو المستقبلية؟ وكيف تحدد ما إذا كانت هي الأفضل لك أم لا؟ من الطبيعي أن الأبحاث واختلاف وجهات النظر في هذا المجال أكبر من أن يسعها مقال صغير، لكن من البديهي أن تحقق مهنتك شروطاً أساسية مهما اختلفت شخصيتك و أهدافك..


أما من الناحية المادية والاجتماعية، فهذا الموضوع شخصي بامتياز، وأهمية المال أو المكانة الاجتماعية تتفاوت من شخص إلى آخر، وإن كانت تشكل حافزاً رئيسياً لدى كل الناس في أي مهنة يختارونها، أما الشروط التي نتحدث عنها اليوم فهي مختلفة ولكنها قد تزيد أهمية عن المال أو المكانة الاجتماعية في رأي الكثيرين.


خطواتك العملية لرسم خطة مهنية تصل بها لطريق النجاح


ما هي المهنة المناسبة لي؟


صارح نفسك: هل مهنتك الحالية هي الأفضل لك بالفعل؟


ول تلك الشروط هي الرغبة، فلا يمكن لشخص مهما امتلك من الإرادة أن ينجح في عمله ناهيك عن أن يبدع فيه اذا كان لا يحب أو يتقبل على الأقل ما يقوم به من عمل، كما لا يمكن لرجل أن يعيش حياة زوجية ناجحة مع زوجة يكرهها ويمقتها والعكس صحيح.


الناس التي تكره أعمالها لا تجد أي دافع لمغادرة السرير صباحاً ولا تمتلك هدفاً يدفعها إلى زيادة عملها أو تحسينه أو الإبداع فيه ما لم يكن لذلك مردود مادي مباشر (يصبح فيها إحسان العمل نوعاً من الاستجابة الشرطية لا رغبة أو قرار)، إن أقصى ما يستطيع فعله العامل في حالة كهذه هو أن يتحول الى آلةٍ تعمل دون تفكير أو إحساس لأن التفكير أو الإحساس بعمله لا يجلب له إلا المشاعر السلبية والاكتئاب.


تأمل معي هذه الدراسة التي أجريت في المعهد الوطني للسلامة و الصحة الوظيفية في الولايات المتحدة (NIOSH) عن المهن التي ينزع أصحابها إلى الاكتئاب المرضي والأفكار الانتحارية أكثر من غيرها فكانت النتائج كما يلي: 1. الاطباء 2. أطباء الاسنان 3.ضباط الشرطة … 6. تجار العقارات 8. المحامين 10. الصيادلة


ست من أصل المهن العشر الأكثر ميلاً للانتحار هي مهن تتمتع بمكانة مالية واجتماعية مرتفعة جداً في الولايات المتحدة و يحصل سابقوا الذكر على رواتب يحلم بها أي أمريكي آخر و يتمتعون أحياناً كالاطباء والضباط و المحامين بهالة من الاحترام من قبل الآخرين.


إذاً ما السبب الذي يكون وراء اكتئابهم؟ معظم هؤلاء هم أناس دفعوا من قبل المجتمع ليمتهنوا هذه المهن طمعاً في المكانة الاقتصادية والاجتماعية، لكن الضغوط العالية التي يعاني منها هؤلاء (الأطباء ورجال الشرطة كمثال واضح) تؤثر بشكل سلبي على نفسيتهم.


ومن ثم فإن احتمال وجود مشاكل أخرى في حياتهم أو كرههم للعمل الذي يقومون به يتضخم تحت هذا الضغط النفسي وينتهي بهم الأمر على هذه القائمة، ومن الصحيح أن هذه الدراسة ليست مثالية لأنها لا تاخذ كل الظروف الحياتية في الحسبان ولكنها كافية للمقارنة من حيث المهنة فقط، لذلك فإن اختيار المهنة بناء على الدخل المادي المتوقع أو المكانة الاجتماعية فقط هي الخطأ الأكبر الذي يقع به أكثر الشباب في أيامنا هذه.


#الشرط الثاني في اختيار المهنة أن تكون المهنة ممكنة من حيث امتلاكك للقدرات الجسدية والظروف الملائمة لدراستها أو امتهانها، وهذه الواقعية هي نتيحة النضوج التدريجي لأفكار الإنسان مع سنوات البلوغ وحتى بداية الشباب والتربية السليمة خصوصاً في المدارس.


ومن عيوب التعليم في بلداننا أنه لا يعطيك نافذة إلى أي مجال قبل الدخول فيه فيصبح لزاماً على الشخص أن يقوم بمهمة البحث بنفسه، ومن المفيد أن يتحدث الطالب إلى أشخاص يمارسون المهنة التي يريدها أو يقضي بعض الوقت معهم في العمل إن كان ذلك ممكناً، حيث يساعد ذلك بشكل كبير على التمييز بين هواياتك ورغبتك الوظيفية حين يلتبس عليك الأمر.


قكثير من الوظائف التي قد تبدو لك مملة أو سيئة تعطي أصحابها من السعادة أضعاف ما تفعل الوظائف التي تملك شعبية أكبر، على سبيل المثال صنفت مجلة فوربس أكثر خمس مهن إرضاءً لأصحابها كما يلي: 1. مدير مدرسة 2. الطباخ 3. مسؤول الإقراض (مسؤول عن الموافقة على القروض في البنوك) 4. مهندسو الآلات 5 . باحث علمي.


و الجدير بالذكر أن أربع من أكثر عشرة مهن تجلب السعادة كانت في مجال المعلوماتية والحواسب، وهي مجالات تتميز بأن أغلب من يمارسها هم من محبيها بالإضافة لكونها لا تسبب ضغوطاً نفسية كبيرة.


#أي مهنة سواءً ارتكزت على علم أم على حرفة ستضع الكثير من المطبات في طريقك نحو النجاح، وعليك أن أن تتجاوزها لكي تنجح، و في هذا الطريق عليك أن تتحلى بشيئين اثنين، هدف تتطلع إليه قابل للتحقيق والزيادة (أريد أن أصبح المبرمج الأهم في بلدي) ودافع من داخلك يذكرك دوماً بأن ما تفعله يستحق التضحية التي تقوم بها (أنا اعمل مبرمجاً لأن الناس بحاجة إلى البرامج التي أصممها لتجعل حياتهم أسهل).


ثم إن هدفك يجب أن يخدم قضية سامية لديك فلا يمكن لشخص يعتبر الروايات “كلام فارغ” أن يصبح روائياً محترفاً حتى لو امتلك الموهبة، ولا يمكن لآخر لايؤمن أن البشرية يجب أن تعتمد على الطاقة النظيفة أن يبدع في هندسة النفط .


كيف أختار بين مهنتين في نفس المجال؟


صارح نفسك: هل مهنتك الحالية هي الأفضل لك بالفعل؟


لعل أكثر الطرق عملية في المقارنة بين المهن ما يدعى بالـ”مؤشرات” (index) والذي يتكون عادة من عدة متغيرات نقوم بجمعها في متغير واحد، فعندما يريد عالم الاجتماع أن يقيس مستوى السعادة في بلد ما فعليه قياس معدلات الانتحار والجريمة و الهجرة و الطلاق …


ثم يقوم بجمع تلك المتغيرات في مؤشر واحد للسعادة ويقارن بين هذه المؤشرات في بلدان مختلفة، بالمثل يمكن التعامل مع موضوع المهن فيجب أن تقارن بينها في عدة مجالات ومن ثم تحدد أيها أكثر مناسبة لك، فلعلك تهوى الرسم ولكنه لا يمثل خياراً منطقياً بالنسبة لك بينما تمثل الهندسة المعمارية والتي تحبها أيضاً خياراً أقل في الرغبة ولكنه أعظم من ناحية الواقعية والهدف والدافع.


ومن الخطأ أن يجعل الإنسان رغبته وحدها مرتكزاً في اختياره لعمله او دراسته، كما من الخطأ أن يجعل الواقعية مرتكزاً وحيداً أيضاً، أو أن يجعل المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي مرتكزاً وحيداً كما في مجتمعنا حيث يشكل المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي المرتكز الوحيد تقريباً لاختيار المهن لدى شريحة واسعه من الناس.


ماذا لو؟


أخيراً عليك أن تعلم أنه لا يمكن للإنسان أن يتخذ أي قرار في حياته دون المخاطرة بشيء ما، الشعور بالخطر والخوف من المستقبل يضعف ثقة الإنسان بنفسه ويهزها ويقوم بتضخيم المخاوف ويركز على المشاعر السلبية عند أي شخص فيجعله عرضة للضغوطات، وعلى العكس فإن تحجيم المخاوف عن طريق الاستعداد لاتخاذ المخاطرة بعد دراسة الخيارات وتحديد المناسب منها بشكل عقلاني وموضوعي يزيد الثقة بالنفس ويساعد على اتخاذ القرارات المفصلية في الحياة، خصوصاً أن كثير منا يختار مهنته في عمر صغير نسبياً وفي بداية مرحلة الشباب (17-20) وغالباً ما يعاني الشباب في ذلك العمر من ثقة محدودة بخياراتهم وتعريف ضعيف أو ناقص لأنفسهم لايساعدهم على اتخاذ القرارات بشكل واثق ومستقل، و من هنا تأتي أهمية الدعم المعنوي من قبل الأهل والنظام التعليمي لقرارات الشاب بدلاً من توجيهها.