عجائب الكتلة السالبة: هل هي حقيقة أم خيال؟

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/23
عجائب الكتلة السالبة: هل هي حقيقة أم خيال؟

على صعيدي الشخصي، يعد موضوع الكتلة السالبة§ من أكثر المواضيع تشويقاً على الإطلاق في الفيزياء. وأنا أذكر بأنني افتتنت به منذ أول مرة قرأت عن الموضوع! فقسم كبير من أكثر الأشياء إثارة في أفلام الخيال العلمي يصبح حقيقةً لو وُجدت فعلاً كتلة سالبة بالكميات المطلوبة: أجهزة مضادة للجاذبية، سفر عبر الزمن، أنفاق دودية يمكن عبورها للوصول إلى أبعد الأماكن في الكون، وهلم جرا من التطبيقات المثيرة للغاية. فما هي الكتلة السالبة يا ترى؟


مراجع ومواقع تجعل من علم الفيزياء مجرد مادة بسيطة لا كابوساً مرعباً


ثلاثة أنواع من الكتلة


قبل أن نبدأ بشرح مفهوم الكتلة السالبة، علينا أن نفهم ماذا نقصد بالكتلة بشكل دقيق. في الواقع، كثير من الناس لا يعلمون أنّ للكتلة ثلاثة أنواع: الكتلة العطالية§ والكتلة الثقالية الفاعلة والكتلة الثقالية المنفعلة§. وسنشرحها واحدةً واحدةً.


تعبّر الكتلة العطالية عن ممانعة الأجسام لتغيير حالتها الحركية. فعلى سبيل المثال، تخيل أنك تقف على حلبة جليدية أنت وصديقك وابن صديقك الصغير، ثم قمت بالتجربة التالية: لو أردت أن تسحب إليك صديقك وابنه كل على حدة كي يكتسبا نفس السرعة في نفس الزمن، ستلاحظ أنك بذلت مجهوداً أكبر في إعطاء صديقك تلك السرعة عما بذلته في حالة ابنه الصغير. فما هو المختلف بينهما؟ في الواقع إنهما يختلفان بمقدار ندعوه الكتلة العطالية، وهو يعبر عن كمية المادة الموجودة في الجسم.


أما الكتلة الثقالية الفاعلة، فهي تعبّر عن قدرة الجسم على توليد حقول ثقالية، في حين أن الكتلة الثقالية المنفعلة تعبّر عن مدى تأثر الجسم بالحقول الثقالية المطبقة عليه.


ونتيجةً لمبدأ في الفيزياء يدعى مبدأ انحفاظ كمية الحركة§، فإن الكتلتين الثقالية الفاعلة والمنفعلة متساويتان، ولذلك نقول اختصاراً الكتلة الثقالية. في حين أنه ينتج من مبدأ آخر في الفيزياء، يدعى مبدأ التكافؤ§، أن كلاً من الكتلة الثقالية المنفعلة والكتلة العطالية متساويتان؛ وهذا هو السبب الذي يجعلنا نقول اختصاراً: الكتلة.


الكتلة السالبة وخصائصها العجيبة


إذا ما افترضنا صحة مبدأ انحفاظ كمية الحركة ومبدأ التكافؤ بشكل عام، كما يفعل معظم الفيزيائيين، عندها يمكننا القول أنّه بالنسبة لأي جسم مادي في الكون، تكون أنواع الكتلة الثلاثة التي ذكرناها في فقرتنا السابقة متساوية. ولذلك يكفي أن نقول أنّ هذا الجسم له كتلة بقيمة محددة، مثلاً 3 كيلوغرام. وما نقصده بالكتلة السالبة، هو أنها كتلة مقدارها عدد سالب مثلاً -3 كيلوغرام.


قد يبدو ذلك غريباً، ولكن صدّقوا أو لا تصدّقوا، إنّ قوانين الفيزياء تسمح بوجود هذا الشيء، وهنا تبدأ الإثارة! فلو دفعنا جسماً ذا كتلة سالبة بقوة ما؛ سنجد أنّ هذا الجسم سيتسارع بعكس القوة المطبقة عليه! وهذا أمر عجيب للغاية! والأعجب من ذلك هو عندما نفكر في ماذا سيحصل لجسمين يتآثران فقط بقوة التثاقل في حال كان أحدهما أو كلاهما يمتلك كتلةً سالبة. فنحن نعلم أنه لو أخذنا جملةً معزولةً مكونةً من جسمين ماديين ساكنين بالنسبة إلى بعضهما، ولكليهما كتلة موجبة، وكانا يتآثران مع بعضهما فقط من خلال قوى التثاقل التي يولدانها في بعضهما، عندها سيبدآن بالتسارع باتجاه بعضهما. ولكن، لو استبدلناهما بنفس الشروط بجسمين ذوي كتلتين سالبتين، عندها سيبدآن بالتسارع مبتعدين عن بعضهما. والأغرب من ذلك يحصل إذا كان أحد الجسمين ذا كتلة موجبة والآخر ذا كتلة سالبة، حيث سيبدآن بالحركة بنفس الاتجاه وهو الاتجاه الذي يشير من الكتلة السالبة إلى الكتلة الموجبة، وكل ذلك يحدث من دون خرق أي من قوانين الفيزياء!


في الواقع، تسمح الكتلة السالبة بأمور أغرب من ذلك بكثير. فمثلاً، إنها تسمح بوجود أنفاق دودية (طرق مختصرة بين نقطتين في الزمكان) يمكن عبورها للتنقل بين نقاط بعيدة جداً عن بعضها في الكون في زمن قصير للغاية. ولو أردنا الحديث عن المزيد من الظواهر العجيبة التي تسمح بحدوثها الكتلة السالبة فيما لو وجدت فعلاً، فسنجد الكثير بالإضافة إلى ما ذكرناه.


إلا أن السلوك الغريب للأجسام ذات الكتلة السالبة قد دفع العديد من الفيزيائيين لافتراض وجود شروط إضافية تدعى بشروط الطاقة، تضاف إلى معادلات أينشتاين في النسبية العامة كي يمنعوا وجود هكذا مادة في الكون. إلا أن بنية النسبية العامة في حدّ ذاتها لا تمنع على الإطلاق أن يحتوي الكون مواد من هذا النوع!


 المكان: هذا الشيء البديهي للغاية، هل توقفتم يوماً لتتساءلوا عن ماهيته؟


هل هناك مشاهدات تجريبية تشير إلى وجود الكتلة السالبة فعلاً؟         


في الواقع، هناك بعض الظواهر في الفيزياء التي قد تكون إشارةً على وجود فعلي لهذه الكتلة السالبة. على سبيل المثال، فقد طُرحت نظرية في الكوزمولوجيا (علم الكون) تدعى بنظرية المائع المظلم§ قادرة على تفسير الظواهر التي تُنسب في العادة إلى المادة المعتمة والطاقة المعتمة من خلال افتراض وجود مائع واحد يعيض عنهما وذي كتلة سالبة. أيضاً اقترح بعض الفيزيائيين أنه يمكن اعتبار مفعول كازيمير (تجاذب صفيحتين معدنيتين غير مشحونتين وموضوعتين على مسافة قريبة جداً من بعضهما في الخلاء) دليلاً على وجود هكذا نوع من المادة§.


 الكوزمولوجيا الحديثة تشهد الآن ثورة من الداخل.. فما الذي يحدث وما هي أزمة الكوزمولوجيا اليوم؟


خاتمة


على الرغم من أن موضوع وجود المادة ذات الكتلة السالبة من عدمه لا زال مثار جدل إلى اليوم بين العديد من الفيزيائيين، وعلى الأغلب أنه لن يُحسم حتى نجد نظريةً كموميةً للتثاقل، إلا أنه يبقى من المواضيع التي ترينا أن العلم يحتوي على بعض الأشياء التي قد تكون أغرب من الخيال!


محمد عبد السلام