هل انتهى حقًا عصر الإعلانات التجارية التقليدية؟!

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/24
هل انتهى حقًا عصر الإعلانات التجارية التقليدية؟!

يشبه وجود الإعلانات التجارية في حياتنا اليومية حياة الأسماك في وجود الماء. إنّها تزاحمنا في كلّ مكان، وفي كثير من الأحيان، لا نزال غافلين عنها… غافلين عن لوحات الإعلانات الملونة الزاهية القابعة على الطريق السريع، أو أضواء النيون المُضيئة خارج فندق متواضع على جانب الطريق العام. ومع ذلك، لم تكن عقولنا الواعية أهدافًا للإعلان التقليدي أبدًا.



«الإعلان هو الشكل الحقيقي الوحيد الباقي للفنون في القرن العشرين».



هكذا قال الأديب الأميركي ذائع الصيت «Gore Vidal – غور فيدال» ذات مرة، ربما كان ما قاله صحيحًا يومًا ما، لكن مستوى جودة الإعلان تراجع بشكلٍ كبيرٍ في القرن الحادي والعشرين.


هل انتهى حقًا عصر الإعلانات التجارية التقليدية؟!


هل انتهى حقًا عصر الإعلانات التجارية التقليدية؟!
يشبه وجود الإعلانات التجارية في حياتنا اليومية حياة الأسماك في وجود الماء.

قديمًا، قبل عصر Google وFacebook، لم تكن هناك طريقة فعّالة لاستهداف الأفراد الذين يبحثون عن منتجات متخصصة. لذلك، فإنّ الشركات التي نجحت في تقديم المنتجات التي ناشدت قطاعات واسعة من الأفراد، عبر الحملات الإعلانية هي التي نجحت في النهاية للوصول إلى الآلاف – وفي كثير من الحالات الملايين – من الناس في وقتٍ واحد.


وهُنا يجب التأكيد على أنَّ الشركات التي قامت بحملات إعلانية ناجحة عبر هذه الوسائط تميل إلى أن تكون من نوع معين، مثل: سلاسل مطاعم الوجبات السريعة، أو علامات تجارية للسيارات، أو متاجر كبرى، أو وكالات تأمين، أو أيّ علامات تجارية تعمل تحت مظلة شركة سلع استهلاكية أكبر.


مع الأخذ في الحسبان، إنَّ قديمًا لم يكن من السهل على المشتري العثور على بائع لديه ما يحتاجه، كما لم يكن من السهل على البائع العثور على مشتري يحتاج إلى ما لديه.


ومع دخول العصر الحديث، غيرت شبكة الإنترنت طراز تجارة التجزئة التقليدي، بل وقلبتها رأسًا على عقب، بعدما أعطت المشترين والبائعين درجةً أكبر من التشبيك والوصول غير مسبوق لبعضهم البعض.


لنجد إنَّ المسافة بين المشتري والبائع لم تعد تقيد حركة المبيعات، حيثُ يمكن للمستهلك في اليابان بكلِّ سهولة الحصول على ساعة صنعت في ديترويت، ففي هذا العالم الجديد، وانتشار الإنترنت وشبكات التواصل الإلكترونية، تعاني شركات السلع الاستهلاكية سريعة التداول مثل: العصائر والبقالة، ووكالات الإعلان من الشلل التام.


الإعلان في حد ذاته «لا يموت»، ولكن ما يموت هو العلامات التجارية، التي سبق ونجحت في عالم الأعمال من دون الوصول إلى شيء جديد، وهو ما يوفّره كلّ من Facebook وGoogle للمستهلكين والمنتجين لبعضهم البعض، والعلامات التجارية التي نجحت تحديدًا لأنَّ Facebook وGoogle لم يكونا موجودين بعد.


فنجد أنَّ أكبر المعلنين على شاشات التلفزيون هم: السيارات، وتجار التجزئة، وشركات السلع الاستهلاكية سريعة التداول، وجميعها لديها نماذج أعمال مُهددة بشكلٍ أساسي من قبل الإنترنت، فجميع هذه الشركات تمثل سوقًا ضخمةً، لكن السوق الشامل غير المتصل بالإنترنت بالنسبة إلى الإنترنت هي سوق متوسطة، كما يدمر الإنترنت الأعمال التجارية متوسطة الحجم.


إنّه يكافئ الشركات المتخصصة التي تتمتع بميزات عالية، ويمكنها أن تحصل على قسط من المال، وهو يكافئ الشركات التجارية الكبيرة التي يمكنها العمل على المستوى الدولي، على نطاقٍ لا يمكن تصوره حتى من قبل هذه الشركات العملاقة.


وهُنا يمكن أن يتساءَل المرء: «هل انتهى عصر الإعلانات التجارية بشكلها التقليدي؟».


هل انتهى حقًا عصر الإعلانات التجارية التقليدية؟!
تجد الشركات التي لا تستطيع شراء الإعلانات التلفزيونية أنَّ بإمكانها فعل الكثير على الإنترنت مقابل أموال أقل بكثير.

تمثل إعلانات Google وFacebook صورةً مصغرةً لهذا التحول الجذري من السوق الشامل إلى الأسواق المتخصصة.


لم تعد تكلفة الاستحواذ الفردي للمستهلك عاليةً، لدرجة أنَّ الوصول إلى مليون مستهلك في وقتٍ واحدٍ، وهي الطريقة الفعّالة الوحيدة للإعلان. أصبحت ممكنةً من خلال Facebook وGoogle، ويمكن للشركات المتخصصة استهداف أفراد معينين، تحدد بياناتهم أنّهم مرشحون/محتملون رئيسيون لتلك المنتجات أو الخدمات المتخصصة بسهولة.


كمثال، هُناك شركة Bevel، وهي شركة تنتج مجموعةً من منتجات الحلاقة المُعدة خصيصًا للرجال من أصحاب البشرة الداكنة، كان من المفترض أن تفشل في عالم الإعلان القديم؛ لأنَّ إعلاناتها لم تكن ذات صلة بغالبية الأشخاص الذين كانوا من الممكن أن تستهدفهم الإعلانات.


أمَّا الآن، فيمكن أن تستهدف شركة Bevel العملاء المحتملين لها عبر إعلانات Google، تحت كلمات رئيسية معينة، فعندما تكتب «Razors for black men – شفرات الحلاقة للرجال ذوي البشرة الداكنة» على محرك البحث Google، فإنَّ Bevel ستكون هي أول نتيجة بحث يتمّ الترويج لها.


كما يسمح Facebook أيضًا لشركة Bevel باستهداف المستخدمين حسب العمر والعرق، وأي عوامل أُخرى تحددها الشركة كمؤشر على اهتمام الفئة المستهدفة بإنفاق النقود على أدوات الحلاقة، والتي صُنعت خصيصًا للرجال من أصحاب البشرة الداكنة.


عندئذ، إذا كنت رجلًا من أصحاب البشرة الداكنة، وفي منتصف العشرينات من العمر، وكان لديك حساب على Facebook، وكنت تبحث عن شفرات الحلاقة في مكان ما عبر الإنترنت، فمن المرجح أن تبدأ خوارزمية Facebook في عرض إعلانات لمنتجات Bevel.


وتدرك كمُستهلك إنَّ هذه الإعلانات كانت لمنتج يمكن أن يحسّن حياتك، ستنقر على واحدة منها، والتي من شأنها أن تتكلف بضعة سنتات على الدولار، ومن ثم إجراء عملية الشراء، والأهم من ذلك، القيام بذلك على الفور، وبغض النظر عن موقعك الجغرافي.


في النهاية، المقدار الذي ستدفعه Bevel للحصول على حركة تجارية نشطة في العالم الافتراضي سيكون جزءًا مما دفعته شركة مثل: ماكدونالدز للحصول على حركة تجارية فعلية، منذ 20 عامًا، حيثُ أزعجتني بالإعلانات التلفزيونية والإذاعية المستمرة التي سمحت لي أن ألقي نظرةً خاطفةً لأول مرة على أقواسها الذهبية الشهيرة، أو أسمع كلمات شعارها اللفظي كصدى الصوت في غرفة المعيشة رغمًا عني.


ومع هذا، كانت ماكدونالدز ذكيةً بما يكفي لإدراك أنّه بالنظر إلى السبل والطرق الإعلانية الحالية ودرجة تجانس منتجها، فإنّ الطريقة الوحيدة للنجاح هي الاستثمار بعمق في استهداف السوق الشامل، ومواصلة الاحتفاظ بالمستهلكين على المدى الطويل وعلى نطاق واسع، عن طريق الإعلانات التقليدية، وإن كان ذلك مع انخفاض الربح لكلّ عميل.


واليوم، تستطيع Bevel استهداف أيّ شخص لديه اتصال بالإنترنت استنادًا إلى بياناته كمستخدم، والحصول على عميل جديد على الفور، بغض النظر عن قرب الموقع الجغرافي، بينما يستمر تدفق المزيد من الأموال لكلّ معاملة إعلانية من شركة مثل ماكدونالدز، في حين كان يمكن للشركة القيام بذلك بجزء زهيد من التكلفة التي تكبدتها العلامات التجارية الكبيرة مرةً واحدةً… هذا هو جمال الإنترنت.


صحوة الابداع


المستهلكون يتوقون لشيء حقيقي. يريدون من العلامة التجارية أن تثير انتباههم، على العديد من المنصّات، في جزء من الثانية من خلال العاطفة الخام، والقيمة الحقيقية والاقتراح الفريد. العلامات التجارية التي اتخذت خطوةً إلى الوراء لتحقيق هذا في العالم الجديد قد حصلت على بعض الفوائد الرئيسية، في جزء صغير من التكلفة.


ونظرًا إلى كلِّ هذا، فإنّ الإعلان كما عرفناه دائمًا (إطلاق الحملات والإعلانات التجارية واسعة النطاق القائمة على غرس حدس الاحتياج بالعقل الباطن على جمهور ضخم ورؤية ما يتمسك به) سيموت. بدلًا من ذلك، فإنّ الخوارزميات المدفونة داخل أسوار شركات مثل: Google وFacebook ستقدّم لنا حتمًا أفضل خياراتنا لكلِّ شيء؛ لأنّها ستعرفنا بشكلٍ أفضل.


كما ستعمل شركات الدعاية والإعلان التي تحدد هذا المستقبل على إتقان استخدام بيانات المستهلك، ومع استمرار تجميع بيانات المستخدمين، ستتحسن إعلاناتهم وبياناتهم جنبًا إلى جنب، إلى أن يصبح كلّ منهما مثاليًا.


عندما يحدث هذا، سوف يصبح عالمنا واحدًا، يتمّ فيه تقريب كلّ مستهلك مع كلِّ ما يريده وما يحتاجه. في البداية، قد يثور العملاء، مثلما يفعلون مع نظام تحديد المواقع العالمي في السيارات، أو التسوق عبر الإنترنت. لكن عندما يدركون أنَّه يتمّ خدمتهم ستتمّ بشكلٍ أفضل من خلال السماح للخوارزميات بالاهتمام بالقرارات التي اعتمدوها في السابق على استقلالهم الذاتي، فإنّهم سوف يقومون بالتغيير. لن يحدث هذا بين عشية وضحاها، لكنه سيحدث.


وفي نهاية المطاف سيؤدي كمال البيانات إلى ظهور عالم يمكن فيه الجمع بين كلّ مستهلك والسلع التي تفي بميوله البيولوجية، وليس نزعاته الاستهلاكية، عن طريق الإبداع والابتكار.


يشير ذلك إلى أنَّ الإعلانات التقليدية ستتلاشى خلال السنوات والعقود القادمة. سيتمّ استبدال الشركات التي تخدم الجماهير الواسعة بشركات تخدم الجماهير المتخصصة؛ لأنَّ الأخيرة سوف تستفيد من انخفاض تكاليف التوزيع وفرص التسويق الشعبية التي يوفّرها الإنترنت.


في العالم الجديد سيكون الإنترنت، والبيانات التي يولدها، والشركات التي تمتلك هذه البيانات وتستخدمها بشكلٍ صحيح، هي القوى الدافعة وراء الاتجاه إلى الأسواق المتخصصة.


لذا، إلى جانب الخصوصية واحترام الذات ومئات السمات الإنسانية الجيدة الأُخرى، فإنّ الإنترنت مسؤول أيضًا عن موت الإعلانات التجارية بشكلها التقليدي.