واجهة الدماغ والحاسوب… 1- الخيال الذي أصبح حقيقة!

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/09/27
واجهة الدماغ والحاسوب… 1- الخيال الذي أصبح حقيقة!

تخيل أنه بإمكانك التحكم في طائرة من دون استخدام أي حركة عضلية، وإنما التحكم بها فقط بالتفكير، تخيل الدخول إلى حساباتك في المواقع الإلكترونية من دون كتابة كلمة سر… حسنًا ما رأيك حول إمكانية الحاسوب من التحكم في الدماغ!


ربما تعتقد أن هذه الأفكار أتيت بها من الخيال، في الحقيقة نعم هي من الخيال، الخيال الجميل الذي تحقق، الخيال الذي لحسن حظنا سنراه يتقدم وما أجمل من هذا الخيال بخيال!


لتتعرف على هذا الخيال الذي تحقق وعلى التقنيات المستخدمة تابع معي هذه المقالات على شكل سلسلة والتي ستغير نظرتك للمستقبل القريب.


واجهة الدماغ والحاسوب


هو عبارة عن نظام يفتح قناة تواصل ما بين الدماغ والحاسوب. ومن هذا المفهوم يمكننا فهم عمليتين متعاكستين وهما من دماغ إلى حاسوب، ومن حاسوب إلى دماغ. تتم العملية الأولى (من دماغ إلى حاسوب) عن طريق قراءة الإشارات الدماغية وترجمتها إلى لغة الآلة، وهي اللغة التي يفهمها الحاسوب.


أما العملية الثانية (من حاسوب إلى دماغ) فتتم عن طريق توجيه معلومات أو أوامر إلى الدماغ، على شكل تحفيزات إلى مناطق معينة ومحددة في الدماغ.


دوافع تطوير واجهة الدماغ والحاسوب


واجهة الدماغ والحاسوب… 1- الخيال الذي أصبح حقيقة!


انطلقت الأبحاث لحل مشكلة وجود شخص من بين كل 50 شخص يعيش بإعاقة جسدية واحدة أو أكثر في الولايات المتحدة؛ فقامت الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي بدعم الأبحاث في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس.


ساد هناك حلين لهذه المشكلة: الأول يتمثل في التدخل الجراحي؛ حيث كان يتطلب تدخل جراحي لإصلاح الوصلات العصبية المتضررة في أدمغة المعاقين. أما الحل الثاني فكان في تطوير نظام يسمح في التحكم في الأطراف الصناعية – المثبتة على أجساد المعاقين – عن طريق التفكير.


بالنسبة للحل الأول المتمثل في إصلاح الوصلات العصبية المتضررة، فيواجه الأطباء والجراحين صعوبة بالغة في إصلاح هذه الوصلات، كون دماغ الإنسان يتكون من شبكة معقدة من الخلايا العصبية وإصلاح هذه الوصلات عملية دقيقة للغاية وأي خطأ بسيط سيودي بنتائج لا تُحمَد عُقباها وغير متوقعة بتاتاً.


أما الحل الثاني الذي تحدث عن التحكم في الأطراف الصناعية عن طريق التفكير فكان أشبه بالخيال وغير قابل للتحقق عند البعض، ولكن بالرغم من ذلك كانت الدافعية لتوجيه الأبحاث لهذا الحل أفضل من الحل الأول الذي عانى من السلبيات التي ذكرتها.


مقدمة حول الخلايا العصبية


واجهة الدماغ والحاسوب… 1- الخيال الذي أصبح حقيقة!


هناك ما يقارب 100 مليار خلية عصبية في دماغ الإنسان مكونة تفرعات وشبكة معقدة من الخلايا. تتميز الخلايا العصبية بامتلاكها خاصية كهروكيميائية. فعندما يقوم الانسان بالتفكير في أمر معين أو عندما تنشأ عنده رغبة معينة أو يتخذ قرار معين؛ فإن الخلايا العصبية تنشط في الدماغ ويكون نشاطها جلياً من خلال تغير تركيز المواد الكيميائية داخل الخلايا العصبية؛ مما يؤدي بدوره إلى نشوء إشارات كهربائية.


طبعاً هذه الاشارات الكهربائية ضعيفة جداً جداّ، وهذا التغير في تراكيز المواد الكيميائية ومن ثم نشوء الإشارات الكهربائية هو ما قصدت به “الخاصية الكهروكيميائية”.


هذه مقدمة بسيطة جدًا حول الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ وهي كفيلة حاليًا لفهم عمل واجهة الدماغ والحاسوب.


تطبيقات واجهة الدماغ والحاسوب


عندما تعددت الأبحاث حول واجهة الدماغ والحاسوب، ظهرت العديد من التطبيقات التي مكنت المتخصصين من تطبيق الواجهة؛ فكانت هناك تطبيقات طبيعة، تطبيقات تعليمية، وتطبيقات أمنية. والمستقبل القريب شاهد على التطبيقات التي ستظهر نتيجة لمزج واجهة الدماغ والحاسوب بخيالنا واحتياجاتنا.


التطبيقات الطبية


واجهة الدماغ والحاسوب… 1- الخيال الذي أصبح حقيقة!


كانت دوافع الأبحاث حول واجهة الدماغ والحاسوب طبية بحتة، فكان النصيب الأكبر لتطبيق الواجهة في الطب. ولعل أبرز التطبيقات هي إمكانية التواصل مع مرضى متلازمة المنحبس، هذا المرض الذي يصيب الانسان فيجعله “سجين عقله” حيث يكون المصاب في مرض متلازمة المنحبس غير قادر على الحركة بتاتاً وتكون كل عضلاته لا تعمل والجزء الوحيد في جسمه الذي يعمل هو عقله.


ولعل عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكنج ليس ببعيد عن تطبيقات واجهة الدماغ والحاسوب والذي استعمل تطبيقات واجهة الدماغ والحاسوب، فهوكنج يعاني من مرض التصلب الجانبي الضموري وهو مرض يسبب ضمور عضلات الجسم وضعفها رويداً رويداً؛ ويُعد مرض متلازمة المنحبس أشد تطورات مرض التصلب الجانبي الضموري.


إذاً فمصابي التصلب الجانبي الضموري ومتلازمة المنحبس يمكنهم من التواصل مع الآخرين عن طريق واجهة الدماغ والحاسوب.


تَسمح واجهة الدماغ والحاسوب للمعاقين من التحكم في الكرسي المتحرك عن طريق التفكير. كما أن هناك أبحاث جديدة واستخدامات واعدة لاستعادة بعض الحواس المفقودة كالسمع والبصر. فمن الممكن زراعة أعين اصطناعية تتصل بالدماغ مباشرة وتنقل الإشارات البصرية إلى المنطقة المخصصة للبصر في الدماغ.


أما بالنسبة للمصابين في الصمم ففتحت واجهة الدماغ والحاسوب عن إمكانية ربط أجهزة صغيرة قادرة على التقاط الأصوات مع الجزء المخصص للسمع في الدماغ.


كيف تصبح مبرمجاً بالشكل الصحيح؟!


التطبيقات التعليمية


لعلَ أبرز ما أُنجِزَ في هذا الصدد هو دراسة وتجربة قامت بها جامعة دوك الأمريكية ونشرتها بدورها مجلة النيتشر قبل عامين. حيثُ قامَ الباحثين في جامعة دوك بإثبات تناقل الخبرات والرغبات بين فأرين أحدهما في البرازيل والآخر في أمريكا. حيثُ كان الفأران يمتلكان نفس البيئة حيثُ عند كل منهما شباكين ومصباحين، فكان الفأر الأول مُدرب على أنه إذا ضغط على المصباح المضيء الصحيح سيحصل على الحلوى. أما الفأر الثاني فلم يدرب على شيء.


تم ربط أدمغة الفأرين ببعضهما وبدأت التجربة؛ فعندما قام الفأر المدرب بالضغط على المصباح المناسب كوفئ بقطعة حلوى. وعندما أَرشَدَ الفأر المدرب الفأر غير المدرب على الضغط على المصباح الصحيح فكوفئ الفأر غير المدرب وبدوره كوفئ الفأر المدرب مرة أخرى.


الخلاصة: أنه عندما قام الفأر المدرب بالضغط على المصباح المناسب وكوفئ بالحلوى أي أنه “بذل نشاطًا عضليًا – نشاط دماغي – فأشبعت عنده رغبة وحاجة معينة – الحلوى – “فقام بمشاركة خبرته هذه مع الفأر غير المدرب فأشبعت عنده رغبة أخرى وهي مكافئة لمشاركة خبرته مع الفأر غير المدرب.


ففي هذه الدراسة والتجربة أثبتَ الباحثين والعلماء عن إمكانية تناقل وتشارك الخبرات، وكذلك توظيف أكثر من دماغ لحل مشكلة.


التطبيقات الأمنية


واجهة الدماغ والحاسوب… 1- الخيال الذي أصبح حقيقة!


لهذه التطبيقات خطورة – أخاف منها شخصيًا – فمن الممكن تطبيق واجهة الدماغ والحاسوب لاستخراج بعض المعلومات من أدمغة المستخدم، كملاحظة نشاط دماغي عند عرض معلومات معينة على المستخدم، كالأرقام والصور وتواريخ الميلاد ومدى معرفته بشخصية معينة ومكان السكن.


من الممكن إذاً باستخدام واجهة الدماغ والحاسوب “اختراق العقل” بكل ما تعنيه هذه الجملة من دلالات ومعاني مخيفة.


كما يمكن استخدام واجهة الدماغ والحاسوب كجهاز كاشف للكذب؛ وذلك من خلال ملاحظة تباين في الاشارات الدماغية الخاصة في المستخدم.


ربما تكون هذه المقدمة عن واجهة الدماغ والحاسوب غامضة نوعاً ما ولكن أنا واثق من أنه عند انتهائي من كتابة آخر مقال في هذه السلسلة ستكون الأمور سهلة ويسيرة.


المراجع:  |  nature.com  |  nicolelislab.net